للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ يَحْيى بنُ مُعاذٍ: مَن كانَ غناهُ في قلبِهِ؛ لمْ يَزَلْ غنيًّا، ومَن كانَ غناهُ في كسبِهِ؛ لمْ يَزَلْ فقيرًا، ومَن قَصَدَ المخلوقينَ بحوائجِهِ؛ لمْ يَزَلْ محرومًا.

ويَشْهَدُ لذلكَ كلِّهِ الحديثُ الصَّحيحُ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لو كانَ لابنِ آدَمَ واديانِ مِن ذهبٍ؛ لابْتَغى لهُما ثالثًا، ولا يَمْلأُ جوفَ ابن آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَتوبُ اللهُ على مَن تابَ" (١).

لو فَكَّرَ الطَّامعُ في عاقبةِ الدُّنيا لَقَنعَ، ولو تَذَكَّرَ الجائعُ إلى فضولٍ مآلَها لَشَبِعَ.

هَبَ انَّكَ قَدْ مَلَكْتَ الأرْضَ طُرًّا … ودانَ لَكَ العِبادُ فَكانَ ماذا

ألَيْسَ مَصيرُ جِسْمِكَ جَوْفَ قَبْرٍ (٢) … وَيَحْثِي التُّرْبَ هذا ثمَّ هذا

• وقد ضَرَبَ اللهُ في كتابِهِ مثلَ الدُّنيا وخضرتها ونضرتِها وبهجتِها وسرعةِ تقلُّبِها وزوالِها، وجعلَ مثلَها كمثلِ نباتِ الأرضِ النابتِ مِن قطرِ السَّماءِ في تقلُّبِ أحوالِهِ ومآلِهِ: قالَ اللهُ تَعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الكهف: ٤٥]. وقالَ اللهُ تَعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)} [يونس: ٢٤]. وقالَ تَعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (٢٠)} [الحديد: ٢٠]. وقالَ تَعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ


(١) رواه: البخاري (٨١ - الرقاق، ١٠ - ما يتّقى من فتنة المال، ١١/ ٢٥٣/ ٦٤٣٦ - ٦٤٤٠) من حديث ابن عبّاس وابن الزبير وأنس وأبيّ، ومسلم (١٢ - الزكاة، ٣٩ - لو أن لابن آدم واديين، ٢/ ٧٢٥/ ١٠٤٨ - ١٠٥٠) من حديث أنس وابن عبّاس وأبي موسى الأشعريّ.
(٢) في خ: "جوف ترب"، وفي ن: "أليس مصيرك جوف قبر"، وما أثبتّه أولى.

<<  <   >  >>