كلُّ ما في الدُّنيا دليلٌ على صانعِهِ يُذَكِّرُ بهِ ويَدُلُّ على صفاتِهِ، فما فيها مِن نعيمٍ وراحةٍ يَدُلُّ على كرمِ خالقِهِ وفضلِهِ وإحسانِهِ وجودِهِ ولطفِهِ، وما فيها مِن نقمةٍ وشدَّةٍ وعذابٍ يَدُلُّ على شدَّةِ بأْسِهِ وبطشِهِ وقهرِهِ وانتقامِهِ، واختلافُ أحوالِ الدُّنيا مِن حرٍّ وبردٍ وليلٍ ونهارٍ وغيرِ ذلكَ يَدُلُّ على انقضائِها وزوالِها.
قالَ الحَسَنُ: كانَ الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهُم يَقولونَ: الحمدُ للهِ الرَّفيقِ الذي لو جَعَلَ هذا الخلقَ خلقًا دائمًا لا يَتَصَرَّفُ؛ لقالَ الشَّاكُّ في اللهِ: لو كانَ لهذا الخلقِ ربٌّ لَحادَثَهُ (١)، وإنَّ الله قد حادَثَ بما تَرَوْنَ مِن الآياتِ، إنَّهُ جاءَ بضوءٍ طَبَّقَ ما بينَ الخافقينِ وجَعَلَ فيها معاشًا وسراجًا وهَّاجًا، ثمَّ إذا شاءَ ذَهَبَ بذلكَ الخلقِ وجاءَ بظلمةٍ طَبَّقَتْ ما بينَ الخافقينِ وجَعَلَ فيها سكنًا ونجومًا وقمرًا منيرًا، وإذا شاءَ بَنى بناءً جَعَلَ فيهِ المطرَ والبرقَ والرَّعدَ والصَّواعقَ ما شاءَ، وإذا شاءَ صرفَ ذلكَ الخلقَ، وإذا شاءَ جاءَ ببردٍ يُقَرْقِفُ النَّاسَ، وإذا شاءَ أذْهَبَ ذلكَ وجاءَ بحرٍّ يَأْخُذُ بأنفاسِ النَّاسِ؛ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أن لهذا الخلقِ ربًّا هوَ يُحادِثُهُ بما تَرَوْنَ مِن الَاياتِ، كذلكَ وإذا شاءَ ذَهَبَ بالدُّنيا وجاءَ بالآخرةِ.
(١) لحادثه: لأجرى عليه المتغيّرات وقلّبه، وما هي من عبارات الصحابة الكرام ولا من مصطلحات عصرهم، ولا يصحّ إسناد هذا الكلام إلى الحسن في غالب الظنّ. والله أعلم.