للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالَ خَليفَةُ العَبْدِيُّ: لو أن الله لمْ يُعْبَدْ إلَّا عن رؤيةٍ ما عَبَدَهُ أحدٌ، ولكنَّ المؤمنينَ تَفَكَّروا في مجيءِ هذا الليلِ إذا جاءَ فطَبَّقَ كلَّ شيءٍ ومَلأ كلَّ شيءٍ ومَحا سلطانَ النَّهارِ، وتَفَكَّروا في مجيءِ النَّهارِ إذا جاءَ فمَلأ كلَّ شيءٍ وطَبَّقَ كلَّ شيءٍ ومَحا سلطانَ الليلِ، وتَفَكَّروا في السَّحابِ المسخَّرِ بينَ السَّماءِ والأرضِ، وتَفَكَّروا في الفلكِ التي تَجْري في البحرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ، وتَفَكَّروا في مجيءِ الشِّتاءِ والصَّيفِ، فواللهِ؛ ما زالَ المؤمنونَ يَتَفَكَّرونَ فيما خَلَقَ لهُم ربُّهُم حتَّى أيْقَنَتْ قلوبُهُم وحتَّى كأنَّما عَبَدوا الله عن رؤيتِهِ.

يُذَكِّرُنيكَ الحَرُّ وَالبَرْدُ وَالَّذي … أخافُ وَأرْجو وَالَّذي أتَوَقَّعُ

ما رَأى العارفونَ شيئًا مِن الدُّنيا إلَّا تَذَكَّروا بهِ ما وَعَدَهُمُ اللهُ بهِ مِن جنسِهِ في الآخرةِ.

قُلوبُ العارِفينَ لَها عُيونٌ … تَرى ما لا يَراهُ النَّاظِرونا

- وأمَّا الأزمانُ؛ فشدَّةُ الحرِّ والبردِ تُذَكِّرُ بما في جهنَّمَ مِن الحرِّ والزَّمهريرِ.

وقد دَلَّ هذا الحديثُ الصَّحيحُ على أن ذلكَ مِن تنفُّسِ النَّارِ في ذلكَ الوقتِ: قالَ الحَسَنُ: كلُّ بردٍ أهْلَكَ شيئًا فهوَ مِن نَفَسِ جهنَّمَ، وكلُّ حرٍّ أهْلَكَ شيئًا فهوَ مِن نَفَسِ جهنَّمَ.

وفي الحديثِ الصَّحيحِ: عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "إذا اشْتَدَّ الحرُّ؛ فأبْرِدوا بالصَّلاةِ؛ فإنَّ شدَّةَ الحرِّ مِن فيحِ جهنَّمَ" (١).

وفي حديثٍ مرفوعٍ خَرَّجَهُ عُثْمانُ الدَّارِمِيُّ وغيرُهُ: "إذا كانَ يومٌ شديدُ الحرِّ، فقالَ العبدُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ما أشدَّ حرَّ هذا اليومِ! اللهمَّ! أجِرْني مِن حرِّ جهنَّمَ. قالَ اللهُ لجهنَّمَ: إنَّ عبدًا مِن عبادي قدِ اسْتَجارَ بي منكِ، وقد أجَرْتُهُ. وإذا كانَ يومٌ شديدُ البردِ، فقالَ العبدُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ما أشدَّ بردَ هذا اليومِ! اللهمَّ! أجِرْني مِن زمهريرِ جهنَّمَ. قالَ اللهُ لجهنَّمَ: إنَّ عبدًا مِن عبادي قدِ اسْتَجارَ بي مِن زمهريرِكِ، وإنِّي


(١) رواه: البخاري (٩ - المواقيت، ٩ - الإبراد بالظهر، ٢/ ١٥/ ٥٣٣ - ٥٣٦ و ٥٣٨)، ومسلم (٥ - المساجد، ٣٢ - استحباب الإبراد، ١/ ٤٣٠/ ٦١٥ - ٦١٧)؛ عن أبي هريرة وأبي ذرّ وأبي سعيد وابن عمر.

<<  <   >  >>