للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٤] ومِن أعظمِ ما يُذَكِّرُ بنارِ جهنَّمَ النَّارُ التي في الدُّنيا. قالَ اللهُ تَعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} [الواقعة: ٧٣]؛ يَعْني: أن نارَ الدُّنيا جَعَلَها اللهُ تذكرةً تُذَكِّرُ بنارِ الآخرةِ.

مَرَّ ابنُ مَسْعودٍ بالحدَّادينَ وقد أخْرَجوا حديدًا مِن النَّارِ فوَقَفَ يَنْظُرُ إليهِ ويَبْكي.

ورُوِيَ عنهُ أنَّهُ مَرَّ على الذينَ يَنْفُخونَ الكيرَ فسَقَطَ.

وكانَ أُوَيْسٌ يَقِفُ على الحدَّادينَ فيَنْظُرُ إليهِم كيفَ يَنْفُخونَ الكيرَ ويَسْمَعُ صوتَ النَّارِ فيَصْرُخُ ثمَّ يَسْقُطُ.

وكذلكَ الرَّبيعُ بنُ خُثَيْمٍ.

وكانَ كثيرٌ مِن السَّلفِ يَخْرُجونَ إلى الحدَّادينَ يَنْظُرونَ [إلى] ما يَصْنَعونَ بالحديدِ، فيَبْكونَ ويَتَعَوَّذونَ باللهِ مِن النَّارِ.

ورَأى عَطاءٌ السَّليمِيُّ (١) امرأةً قد سَجَرَتْ تنَّورًا فغُشِيَ عليهِ.

وقالَ الحَسَنُ: كانَ عُمَرُ ربَّما توقَدُ لهُ نارٌ، ثمَّ يُدْني يدَهُ منها، ثمَّ يَقولُ: يا ابنَ الخَطَّابِ! هل لكَ على هذا صبرٌ؟

كانَ الأحْنَفُ بنُ قَيْسٍ يَجيءُ إلى المصباحِ فيَضَعُ أصبعَهُ فيهِ ويَقولُ: حَسَّ (٢)! ثمَّ يُعاتِبُ نفسَهُ على ذنوبِهِ.

وأجَّجَ بعضُ العبَّادِ نارًا بينَ يديهِ وعاتَبَ نفسَهُ فلمْ يَزَلْ يُعاتِبُها حتَّى ماتَ.

نارُ الدُّنيا جزءٌ مِن سبعينَ جزءًا مِن نارِ جهنَّمَ، وغُسِلَتْ بالبحرِ مرَّتينِ حتَّى أشْرَقَتْ وخَفَّ حرُّها، ولولا ذلكَ ما انْتَفَعَ بها أهلُ الدُّنيا، وهيَ تَدْعو الله ألَّا يُعيدَها إليها.


= والنسائي (٣/ ١٢٤ - فتح الباري)، وابن المنذر (مريم ٧١ - الدرّ)، والحكيم الترمذي (الدرّ)، وابن أبي حاتم (الدرّ)، والحاكم (٤/ ٥٧٨)، وابن مردويه (الدرّ)، والبيهقي في "الشعب" (٣٧٠)، وابن عبد البرّ (٦/ ٣٥٥)، والمزي (٣٣/ ٣٨٥)؛ من طريق قويّة، عن أبي سميّة، عن جابر … رفعه.
وصحّحه الحاكم ووافقه الذهبي. وحسّنه البيهقي وأقرّه المنذري. وقال المنذري والهيثمي (٧/ ٥٨، ١٠/ ٣٦٣): "رجاله ثقات". قلت: أبو سميّة مجهول، تفرّد كثير بن زياد بالرواية عنه، فلا يرفع ذكر ابن حبّان له في "الثقات" جهالته. ولذلك قال ابن كثير: "غريب"، وضعّفه الألباني.
(١) في خ ون: "عطاء السلميّ"، وفي حاشية ن: "لعلّه السليمي"، وقد جاء على الجادّة في م وط.
(٢) حسّ: كلمة تقال عند الألم.

<<  <   >  >>