للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعنِ الحَسَنِ قالَ: نِعْمَ زمانُ المؤمنِ الشِّتاءُ؛ ليلُهُ طويلٌ يَقومُه، ونهارُهُ قصيرٌ يَصومُه.

وعن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ؛ أنَّهُ كانَ إذا جاءَ الشِّتاءُ قالَ: يا أهلَ القرآنِ! طالَ ليلُكُم لقراءتِكُم، وقَصُرَ النَّهارُ لصيامِكُم، فصوموا وقوموا.

لمَّا طالَ ليلُ الشِّتاءِ؛ كانَ قيامُهُ يَعْدِلُ صيامَ نهارِ الصَّيفِ. ولهذا بَكى مُعاذٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ عندَ موتِهِ وقالَ: إنَّما أبْكي على ظمإ الهواجرِ، وقيامِ ليلِ الشِّتاءِ، ومزاحمةِ العلماءِ بالرُّكبِ عندَ حلقِ الذِّكرِ. وقالَ مِعْضَدٌ: لولا ثلاثٌ؛ ظمأُ الهواجرِ، وقيامُ ليلِ الشِّتاءِ، ولذاذةُ التَّهجُّدِ بكتابِ اللهِ؛ ما بالَيْتُ أنْ أكونَ يعسوبًا.

• القيامُ في ليلِ الشِّتاءِ يَشُقُّ على النُّفوسِ مِن وجهينِ:

• أحدُهُما: مِن جهةِ تألُّمِ النَّفسِ بالقيامِ مِن الفراشِ في شدَّةِ البردِ. قالَ داوودُ بنُ رُشَيْدٍ: قامَ بعضُ إخواني إلى وردِهِ بالليلِ في ليلةٍ شديدةِ البردِ، وكانَ عليهِ خُلْقانٌ، فضَرَبَهُ البردُ، فبَكى، فهَتَفَ بهِ هاتفٌ: أقَمْناكَ وأنَمْناهُم ثمَّ تَبْكي علينا! خَرَّجَهُ أبو نُعَيْمٍ.

• والثَّاني: بما يَحْصُلُ بإسباغِ الوضوءِ في شدَّةِ البردِ مِن التَّألُّمِ.

وإسباغُ الوضوءِ في شدَّةِ البردِ مِن أفضلِ الأعمالِ (١).

وفي "صحيح مُسْلِم" (٢): عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "ألا أدُلُّكُم على ما يَمْحو اللهُ بهِ الخطايا ويَرْفَعُ بهِ الدَّرجاتِ؟ ". قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ! قالّ: "إسباغُ الوضوءِ على المكارهِ، وكثرةُ الخطا إلى المساجدِ، وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ. فذلكُمُ الرِّباطُ، فذلكُمُ الرِّباطُ".

وفي حديثِ مُعاذِ بن جَبَلٍ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّهُ رَأى ربَّهُ عَزَّ وجَلَّ (يَعْني: في المنامِ)، فقالَ لهُ: يا مُحَمَّدُ! فيمَ يَخْتَصِمُ الملأُ الأعلى؟ قالَ: "في الدَّرجاتِ والكفَّاراتِ". قالَ: "والكفَّاراتُ: إسباغُ الوضوءِ في الكريهاتِ (٣)، ونقلُ الأقدامِ إلى


(١) في خ: "من التألّم وذلك من أفضل الأعمال"، وما أثبتّه من ن وط أوضح.
(٢) (٢ - الطهارة، ١٤ - إسباغ الوضوء على المكاره، ١/ ٢١٩/ ٢٥١).
(٣) في خ: "في المكروهات"، وما أثبتّه من م ون وط أولى بلفظ الحديث.

<<  <   >  >>