للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانَ أبو هُرَيْرَةَ يَقولُ: ألا أدُلُّكُمْ على الغنيمةِ الباردةِ؟ قالوا: بلى. فيَقولُ: الصِّيامُ في الشِّتاءِ (١).

ومعنى كونِها غنيمةً باردةً أنَّها غنيمةٌ حَصَلَتْ بغيرِ قتالٍ ولا تعبٍ ولا مشقَّةٍ، فصاحبُها يَحوزُ هذهِ الغنيمةَ عفوًا صفوًا بغيرِ كلفةٍ.

• وأمَّا قيامُ ليلِ الشِّتاءِ؛ فلطولِهِ يُمْكِنُ أنْ تَأْخُذَ النَّفسُ حظَّها مِن النَّومِ ثمَّ تَقومَ بعدَ ذلكَ إلى الصَّلاةِ، فيَقْرَأُ المصلِّي وردَهُ كلَّهُ مِن القرآنِ وقد أخَذَتْ نفسُهُ حظَّها مِن النَّومِ، فيَجْتَمعُ لهُ فيهِ نومُهُ المحتاجُ إليهِ معَ إدراكِ وردِهِ مِن القرآنِ، فيَكْمُلُ لهُ مصلحةُ دينِهِ وراحةُ بدنِهِ. ومِن كلامِ يَحْيى بن مُعاذٍ: الليلُ طويلٌ؛ فلا تُقَصِّرْهُ بمنامِك، والإسلامُ نقيٌّ فلا تُدَنِّسْهُ بآثامِك. بخلافِ ليلِ الصَّيفِ؛ فإنَّهُ لقصرِهِ وحرِّهِ يَغْلِبُ النَّومُ فيهِ فلا تكادُ تَأْخُذُ النَّفسُ حظَّها بدونِ نومِهِ كلِّهِ، فيَحْتاجُ القيامُ فيهِ إلى مجاهدةٍ، وقد لا يَتَمَكَّنُ فيهِ لقصرِهِ مِن الفراغِ مِن وردِهِ مِن القرآنِ.

ورُوِيَ عن ابن مَسْعودٍ؛ قالَ: مرحبًا بالشِّتاءِ؛ تَنْزِلُ فيهِ البركةُ، ويَطولُ فيهِ الليلُ للقيامِ، ويَقْصُرُ فيهِ النَّهارُ للصِّيامِ. ورُوِيَ عنهُ مرفوعًا ولا يَصِحُّ رفعُهُ (٢).


= ورواه: ابن عدي (٣/ ١٠٧٥)، والبيهقي في "الشعب" (٣٩٤٢)؛ من طريق عبد الوهّاب بن الضحّاك، عن الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمّد، عن ابن المنكدر، عن جابر … رفعه. وعبد الوهّاب بن الضحّاك متّهم، والوليد بن مسلم عنعن علي تدليسه.
وأخلص ممّا تقدّم إلى أنّ حديث عامر بن مسعود مرسل ضعيف، وحديث أنس المعروف فيه الوقف على أبي هريرة ورفعه منكر، وحديث جابر ساقط. واجتماع مثل هذه الواهيات لا يكسب الحديث قوّة. وقد مال إلى تضعيف مفرداته أكثر أهل العلم، وضعّفه الألباني.
(١) وهذا موقوف صحيح كما تقدّم آنفًا، ولعلّه أصل هذه العبارة، ثمّ رفعها الضعفاء والمتروكون.
(٢) (ضعيف جدًّا). رواه: الساجي (٣/ ١٢٩٧، ٧/ ٢٤٨١ - ابن عدي)، وابن عدي في "الكامل" (٣/ ١٢٩٧، ٧/ ٢٤٨١)، والمزّي في "التهذيب" (١٠/ ٢٣٠) تعليقًا، والذهبي في "الميزان" (٤/ ٢٧٠) تعليقًا، والعسقلاني في "اللسان" (٦/ ٢٠٣) تعليقًا؛ من طريق نعيم بن عبد الحميد الواسطي، عن السريّ بن إسماعيل، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن ابن مسعود … رفعه.
قال ابن عديّ في ترجمة نعيم: "ليس بذاك في الحديث، ولم يروه عن السريّ غيره". وتعقّبه الذهبي بقوله: "الآفة من السريّ". قلت: وهذا أقرب، وقد أورده ابن عديّ في ترجمته وقال: "لا يتابعه عليه أحد، أحاديثه عن الشعبيّ منكرات لا يرويها غيره". وبالجملة؛ فنعيم ضعيف، والسري متروك متّهم، والسند ساقط، وقد عدّه الساجي وابن عدي والذهبي والعسقلاني في المنكرات.

<<  <   >  >>