للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانَ بعضُ التَّابعينَ يَشْتَدُّ عليهِ الطُّهورُ في الشِّتاءِ، فدَعا الله عَزَّ وجَلَّ، فكانَ يُؤْتى بالماءِ في الشِّتاءِ ولهُ بخارٌ مِن حرِّهِ.

رَأى أبو سُلَيْمانَ في طريقِ الحجِّ في شدَّةِ البردِ شيخًا عليهِ أخلاقٌ وهوَ يَرْشَحُ عرقًا، فعَجِبَ منهُ وسَألَهُ عن حالِهِ، فقالَ: إنَّما الحرُّ والبردُ خلقانِ للهِ؛ فإنْ أمَرَهُما أنْ يَغْشَياني أصاباني، وإنْ أمَرَهُما أنْ يَتْرُكاني تَرَكاني. وقالَ: أنا في هذهِ [البرِّيَّةِ] مِن ثلاثينَ سنةً؛ يُلْبِسُني في البردِ فيحًا مِن محبَّتِهِ، ويُلْبِسُني في الصَّيفِ بردًا مِن محبَّتِهِ.

وقيلَ لآخرَ وعليهِ خرقتانِ في يومِ بردٍ شديدٍ: لوِ اسْتَتَرْتَ في موضعٍ يُكِنُّكَ مِن البردِ. فأنْشَدَ:

وَيَحْسُنُ ظَنِّي أنَّني في فِنائِهِ … وَهَلْ أحَدٌ كِنِّهِ يَجِدُ البَرْدا (١)

• وأمَّا مَن يَجِدُ البردَ - وهُم عامَّةُ الخلقِ -؛ فإنَّهُ يُشْرَعُ لهُم دفعُ أذاهُ بما يَدْفَعُهُ مِن لباسٍ وغيرِهِ.

وقدِ امْتَنَّ اللهُ على عبادِهِ بأنْ خَلَقَ لهُم مِن أصوافِ بهيمةِ الأنعامِ وأوبارِها وأشعارِها ما فيهِ دفءٌ لا لهُم:

قالَ تَعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: ٥].

وقال تَعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: ٨٠].

رَوى: ابنُ المُبارَكِ، عن صَفْوانَ بن عَمْرٍو، عن سُلَيْمِ بن عامِرٍ (٢)؛ قالَ: كانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إذا حَضَرَ الشِّتاءُ تَعاهَدَهُم وكتَبَ إليهِم بالوصيَّةِ: إنَّ الشِّتاءَ قد حَضَرَ، وهوَ عدوٌّ، فتَأَهَّبوا لهُ أُهْبَتَهُ مِن الصُّوفِ والخفافِ والجواربِ، واتَّخِذوا الصُّوفَ شعارًا


= الخزّاز، ثني سعّاد بن سليمان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن الجعد مولى سويد بن غفلة، عن سويد … رفعه. وعليّ فيه ضعف، والحسن وسعّاد والجعد مجاهيل.
فاجتماع الطريقين الأوليين يقوّي هذا الأصل، وإلى تقويته مال الهيثمي والألباني.
(١) قد وجده النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وتوقّوا منه ومن المطر ومن الحرّ واستظلّوا وهم أولى بحسن الظنّ بربّهم! وانظر ما يأتي بعد سطور من تحذير عمر رضي الله عنه الصحابة من البرد وحياطته لهم منه.
(٢) في خ وم: "عن سليمان بن عامر"! وهذا تحريف صوابه ما أثبتّه من ن وط.

<<  <   >  >>