للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ الحَسَنُ: الشِّتاءُ ذكرٌ فيهِ اللقاحُ، والصَّيفُ أُنثى فيهِ النَّتاجُ. يُشيرُ إلى أن الصَّيفَ تُنْتَجُ فيهِ المواشي والشَّجرُ.

والصَّيفُ عندَ العرب هوَ الرَّبيعُ، وأمَّا الذي تُسَمِّيهِ النَّاسُ الصَّيفَ؛ فالعربُ تُسَمِّيهِ القيظَ. ففي الشِّتاءِ تَغورُ (١) الحرارةُ إلى باطنِ الشَّجرِ فتَنْعَقِدُ موادُّ الثَّمرِ فتَظْهَرُ في الرَّبيعِ مباديها فتُزْهِرُ الشَّجرُ ثمَّ تورِقُ، ثمَّ إذا ظَهَرَتِ الثِّمارُ قَوِيَ حرُّ الشَّمسِ لإنضاجِها.

• الإيثارُ في الشِّتاءِ للفقراءِ (٢) بما يَدْفَعُ عنهُمُ البردَ لهُ فضلٌ عظيمٌ.

خَرَجَ صَفْوانُ بنُ سُلَيْمٍ في ليلةٍ باردةٍ بالمدينةِ مِن المسجدِ، فرَأي رجلًا عاريًا، فنَزَعَ ثوبَهُ وكَساهُ إيَّاهُ، فرَأى بعضُ أهلِ الشَّامِ في منامِهِ أن صَفْوانَ بنَ سُلَيْمٍ دَخَلَ الجنَّةَ بقميصٍ كَساهُ، فقَدِمَ المدينةَ فقالَ: دُلُّوني على صَفْوانَ، فأتاهُ فقَصَّ عليهِ ما رَأى.

رأى مِسْعَرٌ أعرابيًّا يَتَشَرَّقُ (٣) في الشَّمسِ وهوَ يَقولُ:

جاءَ الشِّتاءُ وَلَيْسَ عِنْدِيَ دِرْهَمٌ … وَلَقَدْ يُخَصُّ بِمِثْلِ ذاكَ المُسْلِمُ

قَدْ قَطَّعَ النَّاسُ الجِبابَ وَغَيْرَها … وَكَأنَّني بِفِناءِ مَكَّةَ مُحْرِمُ

فنَزَعَ مِسْعَرٌ جبَّتَهُ فألْبَسَهُ إيَّاها.

رُفعَ إلى بعضِ الوزراءِ الصَّالحينَ أن امرأةً معَها أربعةُ أطفالٍ أيتامٍ وهُم عراةٌ جياعٌ، فأمَرَ رجلًا أنْ يَمْضِيَ إليهِم ويَحْمِلَ معَهُ ما يُصْلِحُهُم مِن كسوةٍ وطعامٍ، ثمَّ نَزَعَ ثيابَهُ وحَلَفَ: لا لَبِسْتُها ولا دَفِيتُ حتَّى تَعودَ وتُخْبِرَني أنَّكَ كَسَوْتَهُم وأشْبَعْتَهُم. فمَضى وعادَ وأخْبَرَهُ أنَّهُمُ اكْتَسَوْا وشَبِعوا وهوَ يَرْعُدُ مِن البردِ، فلَبِسَ حينئذٍ ثيابَهُ.

خَرَّجَ التَرْمِذِيُّ مِن حديثِ أبي سَعيدٍ مرفوعًا: "مَن أطْعَمَ مؤمنًا على جوعٍ؛ أطْعَمَهُ اللهُ يومَ القيامةِ مِن ثمارِ الجنَّةِ، ومَن سَقاهُ على ظمإ؛ سَقاهُ اللهُ يومَ القيامةِ مِن الرَّحيقِ


(١) في خ وم: "الصيف تسمّيه العرب القيظ ففي الشتاء تعود"، وفي ن: " … تعود"، وفي ط: " … يسمّونه اليقظ ففي الشتاء تغور"، وأرجو أنّني أثبتّ أولاها بالصواب.
(٢) في خ وم: "فإذا ظهرت الثمار … الإيثار للفقراء في الشتاء"، والأولى ما أثبتّه من ن وط.
(٣) في خ وم: "يشّرق". والمعنى: يتدفّأ بحرارة الشمس.

<<  <   >  >>