للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالَ عَمْرُو بنُ العاصِ: ركعةٌ بالليلِ خيرٌ مِن عشرٍ بالنَّهارِ. خَرَّجَهُ ابنُ أبي الدُّنْيا.

• وإنَّما فُضِّلَتْ صلاةُ الليلِ على صلاةِ النَّهارِ:

* لأنَّها أبلغُ في الإسرارِ وأقربُ إلى الإخلاصِ.

كانَ السَّلفُ يَجْتَهِدونَ على إخفاءِ تهجُّدِهِم:

قالَ الحَسَنُ: كانَ الرَّجل يَكونُ عندَهُ زوَّارٌ (١)، فيَقومُ مِن الليلِ يُصَلِّي ولا يَعْلَمُ بهِ زوَّارُهُ. وكانوا يَجْتَهِدونَ في الدُّعاءِ ولا يُسْمَعُ لهُم صوتٌ. وكانَ الرَّجلُ يَنامُ معَ زوجتِهِ على وسادةٍ، فيَبْكي طولَ ليلتِهِ وهيَ لا تَشْعُرُ.

وكانَ مُحَمَّدُ بن واسِعٍ يُصَلِّي في طريقِ مكَّةَ طولَ ليلِهِ في محملِهِ، ويَأْمُرُ حاديَهُ أنْ يَرْفَعَ صوتَهُ لِيَشْغَلَ النَّاسَ عنهُ.

وكان بعضُهُم يَقومُ في وسطِ الليلِ ولا يُدْرَى بهِ، فإذا كانَ قربَ طلوعِ الفجرِ؛ رَفَعَ صوتَهُ بالقرآنِ، يُوهِمُ أنَّهُ قامَ تلكَ السَّاعةَ.

* ولأنَّ صلاةَ الليلِ أشقُّ على النُّفوسِ؛ فإنَّ الليلَ محلُّ النَّومِ والرَّاحةِ مِن التَّعبِ بالنَّهارِ، فتركُ النَّومِ معَ ميلِ النَّفسِ إليهِ مجاهدةٌ عظيمةٌ. قالَ بعضُهُم: أفضلُ الأعمالِ ما أُكْرِهَتِ النُّفوسُ عليهِ.

* ولأن القراءة (٢) في صلاةِ الليلِ أقربُ إلى التَّدبُّرِ؛ فإنَّهُ تَنْقَطعُ الشَّواغلُ بالليلِ، ويَحْضرُ القلبُ، ويَتَواطَأُ هوَ واللسانُ على الفهمِ، كما قالَ تَعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: ٦].

ولهذا المعنى أُمِرَ بترتيلِ القرانِ في قيامِ الليلِ ترتيلًا.

ولهذا كانَتْ صلاةُ الليلِ منهاةً عن الإثمِ كما يَأْتي في حديثٍ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ (٣).

وفي "المسند": عن أبي هُرَيْرَةَ؛ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قيلَ لهُ: إنَّ فلانًا يُصَلِّي مِن الليلِ،


= والصحيح موقوف" وقول ابن رجب "والمحفوظ وقفه"؛ يعني أن الرفع شاذّ.
(١) في خ: "كان بعض السلف يجتهدون … زوّاره"، والأولى ما أثبته من م وط.
(٢) في خ: "ولأنّ القرآن"، والأولى ما أثبته من م وط.
(٣) (حسن بشواهده). سيأتي تفصيل القول فيه (ص ١٠٢).

<<  <   >  >>