للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه للكتاب (١) والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به؛ لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط اللسان، وصارت معرفته من الدين، وصار اعتبار التكلم به أسهل على أهل الدين في معرفة دين الله، وأقرب إلى إقامة شعائر الدين، وأقرب إلى مشابهتهم (٢) للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، في جميع أمورهم.

وسنذكر إن شاء الله تعالى بعض ما قاله العلماء، من الأمر بالخطاب العربي، وكراهة مداومة غيره لغير حاجة، واللسان تقارنه (٣) أمور أخرى: من العلوم والأخلاق، فإن العادات لها تأثير عظيم فيما يحبه الله وفيما يكرهه، فلهذا أيضا جاءت الشريعة بلزوم عادات السابقين الأولين، في أقوالهم وأعمالهم، وكراهة الخروج عنها إلى غيرها من غير حاجة.

فحاصله: أن النهي عن التشبيه بهم؛ لما يفضي إليه من فوت الفضائل، التي جعلها الله للسابقين الأولين، أو حصول النقائص التي كانت في غيرهم.

ولهذا: لما علم المؤمنون من أبناء فارس، وغيرهم، هذا الأمر، أخذ من وفقه الله منهم نفسه بالاجتهاد في تحقيق المشابهة بالسابقين، فصار أولئك من أفضل التابعين بإحسان إلى يوم القيامة، وصار كثير منهم أئمة لكثير من غيرهم، ولهذا كانوا يفضلون من الفرس من رأوه أقرب إلى متابعة السابقين، حتى قال الأصمعي (٤) فيما رواه عنه أبو طاهر السلفي في كتاب (فضل الفرس)


(١) في (ج د) : الكتاب.
(٢) في (د) : السابقين.
(٣) في (ب) : يقارنه.
(٤) هو الإمام: عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع، الأصمعي البصري، عالم بالحديث والعربية، وثقه الأئمة. توفي سنة (٢١٦ هـ) ، وعمره (٨٨) سنة. انظر: تهذيب التهذيب (٦ / ٤١٥- ٤١٧) ، (ت ٨٦٨) ع؛ واللباب في تهذيب الأنساب (١ / ٧٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>