للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنهم كانوا إنما يستحبون عند قبره ما هو من جنس الدعاء له والتحية: كالصلاة والسلام. ويكرهون قصده للدعاء، والوقوف عنده للدعاء (١) ومن يرخص منهم في شيء من ذلك فإنه إنما يرخص فيما إذا سلم عليه ثم أراد الدعاء، أن يدعو مستقبلًا القبلة إما مستدبر القبر وإما منحرفًا عنه، وهو أن يستقبل القبلة ويدعو، ولا يدعو مستقبل القبر، وهكذا المنقول عن سائر الأئمة.

ليس في أئمة المسلمين من استحب للمرء (٢) أن يستقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو عنده، وهذا الذي ذكرناه عن مالك والسلف، يبين حقيقية الحكاية المأثورة عنه، وهي الحكاية التي ذكرها القاضي عياض عن محمد بن حميد (٣) قال: " ناظر أبو جعفر (٤) أمير المؤمنين مالكًا في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له (٥) مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله تعالى أدب قوما فقال: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: ٢] الآية (٦) ومدح قومًا (٧) فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} [الحجرات: ٣] الآية (٨) وذم قومًا فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: ٤] الآية (٩) .


(١) للدعاء: سقطت من (ب ج د) .
(٢) في المطبوعة: للمار.
(٣) هو: محمد بن حميد اليشكري. أبو سفيان المعمري، نزيل بغداد، ثقة من التاسعة، أخرج له مسلم وغيره، وتوفي سنة (١٨٢هـ) .
انظر: تقريب التهذيب (٢ / ١٥٦) ، ت (١٦٠) .
(٤) هو: عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس القرشي الهاشمي، أبو جعفر المنصور، ثاني خلفاء بني العباس، وليها بعد السفاح، وكان قويا حازما عادلا، مع علم وفقه، تولى الخلافة سنة (١٣٦هـ) ، وتوفي سنة (١٥٨هـ) ، وعمره (٦٣) .
انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٠ / ١٢١ - ١٢٨) .
(٥) في (أ) : فقال: لا ترفع.
(٦) سورة الحجرات: الآية ٢.
(٧) في (أ) : أقواما.
(٨) سورة الحجرات: الآية ٣.
(٩) سورة الحجرات: الآية ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>