للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن حرمته ميتًا كحرمته حيًا، فاستكان أبو جعفر، وقال: يا أبا عبد الله، أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه (١) الله (٢) . وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ} [النساء: ٦٤] (٣) الآية (٤) .

فهذه الحكاية على هذا الوجه إما أن تكون ضعيفة، أو مغيرة، وإما أن تفسر بما يوافق مذهبه إذ قد (٥) يفهم منها ما هو خلاف مذهبه المعروف بنقل الثقات من أصحابه، فإنه لا يختلف مذهبه أنه لا يستقبل القبر عند الدعاء، (٦) وقد نص على أنه لا يقف عند الدعاء مطلقًا، وذكر طائفة من أصحابه أنه يدنو من القبر، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو مستقبل القبلة، ويوليه ظهره، وقيل: لا يوليه ظهره. فاتفقوا في استقبال القبلة وتنازعوا في تولية القبر ظهره، وقت الدعاء.

ويشبه - والله أعلم - أن يكون مالك رحمه الله سئل عن استقبال القبر عند السلام عليه، وهو يسمي ذلك دعاء، فإنه قد كان من فقهاء العراق من يرى أنه عند السلام عليه يستقبل القبلة أيضًا، ومالك يرى استقبال القبر في هذه الحال كما تقدم.


(١) في (أط) : يشفعك.
(٢) في المطبوعة: فيك.
(٣) سورة النساء: الآية ٦٤.
(٤) أخرجها القاضي عياض في كتاب (الشفا) فصل حرمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد موته (٢ / ٣٩، ٤٠) ، وقد فندها المؤلف في كتابه (التوسل والوسيلة) وذكر أنها حكاية منقطعة لم تثبت عن مالك (ص ٦٧، ٦٨) ، وكذبها (ص ١٥٠) .
(٥) في (أط) : أو قد.
(٦) قوله: وقد نص على أنه لا يقف عند الدعاء مطلقا: سقط من (ج د) .

<<  <  ج: ص:  >  >>