للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الدعاء هو المشروع هناك، كالدعاء عند زيارة قبور سائر المؤمنين، وهو الدعاء لهم، فإنه أحق الناس أن يُصلى عليه ويسلم عليه (١) ويُدعى له - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم. وبها تتفق أقوال مالك، ويفرق بين الدعاء (٢) الذي أحبه، والدعاء الذي كرهه وذكر أنه بدعة.

وأما الحكاية في تلاوة مالك هذه الآية: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء: ٦٤] (٣) الآية، فهي - والله أعلم - باطلة، فإن هذا لم يذكره أحد من الأئمة فيما أعلمه، ولم يذكر أحد منهم أنه استحب أن يسأل (٤) بعد الموت لا استغفارا ولا غيره، وكلامه المنصوص عنه وعن أمثاله ينافي هذا، وإنما يعرف مثل هذا في حكاية ذكرها طائفة من متأخري الفقهاء، عن أعرابي أنه أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وتلا هذه الآية، وأنشد بيتين:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم (٥)

ولهذا استحب طائفة من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد، مثل ذلك، واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعي، لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعا مندوبا؛ لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم، بل قضاء حاجة مثل هذا الأعرابي وأمثاله لها أسباب


(١) ويسلم عليه: سقطت من (د ب) .
(٢) الدعاء: سقطت من (أ) .
(٣) سورة النساء: من الآية ٦٤.
(٤) في المطبوعة: يسأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(٥) المغني والشرح الكبير (٣ / ٥٨٨، ٥٨٩) في المغني. وقد ذكر عن العتبي قال: كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله. . إلخ القصة. وذكر هذين البيتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>