للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلم أن سؤال الله تعالى دون خلقه هو المتعين عقلًا وشرعًا، وذلك من وجوه متعددة:

منها: أن السؤال فيه بذل لماء الوجه وذلة للسائل، وذلك لا يصلح إلا لله وحده، فلا يصلح الذل إلا له بالعبادة والمسألة، وذلك من علامات المحبة الصادقة ...

وهذا الذل وهذه المحبة لا تصلح إلا لله وحده، وهذا هو حقيقة العبادة التي يختص بها الإله الحق ...

ولهذا المعنى كان عقوبة من أكثر المسألة بغير حاجة أن يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم، كما ثبت ذلك في الصحيحين (١) لأنه أذهب عز وجهه وصيانته وماءه في الدنيا فأذهب الله من وجهه في الآخرة جماله وبهاءه الحسي فيصير عظمًا بغير لحم، ويذهب جماله وبهاؤه المعنوي فلا يبقى له عند الله وجاهه.

ومنها: أن في سؤال الله عبودية عظيمة لأنها إظهار للافتقار إليه، واعتراف بقدرته على قضاء الحوائج، وفي سؤال المخلوق ظلم، لأن المخلوق عاجز عن جلب النفع لنفسه، ودفع الضر عنها، فكيف يقدر على ذلك لغيره، وسؤاله إقامة له مقام من يقدر، وليس هو بقادر ويشهد بهذا المعنى الحديث الذي في صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله تعالى: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص من ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر .. .) (٢).


(١) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب من سأل الناس تكثرًا (٢/ ١٣٠) ومسلم: كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس (٢/ ٧٢٠) ولفظه عندهما: (ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم".
(٢) تقدم تخريجه (ص ١٧٤).

<<  <   >  >>