للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكرت فيما مضى أحاديث (١) تدل على أن من أراد بجهاده عرضًا من الدنيا أنه لا أجر له، وهي محمولة على أنه لم يكن له غرض في الجهاد إلا الدنيا ... (٢).

ثانيًا: إذا كان العمل لله عز وجل وشاركه الرياء في أثنائه هل يبطل العمل أم لا؟ يقول ابن رجب رحمه الله تعالى: "وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره، فإن كان خاطرًا ودفعه فلا يضره بغير خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف، قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى، وهو مروي عن الحسن البصري وغيره، ويستدل لهذا القول بما خرّجه أبو داود في مراسيله عن عطاء الخراساني (٣) أن رجلًا قال: يا رسول الله إن بني سلمة كلهم يقاتل، فمنهم من يقاتل للدنيا، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله، فأيهم الشهيد؟ قال: "كلهم إذا كان أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا" (٤).

وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج، فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق


(١) كحديث أبي أمامة الذي سبق (ص ٣٩٩).
(٢) جامع العلوم والحكم (٣/ ٣٤ - ٣٧).
(٣) عطاء بن أبي مسلم الخراساني في المحدث الواعظ، أرسل عن عدد من الصحابة، وقد وثقه ابن معين وغيره، قال الدارقطني: هو في نفسه ثقة لكن لم يلق ابن عباس، يعني أنه يدلس، توفي سنة ١٣٥ هـ.
الجرح والتعديل (٦/ ٣٣٤) وسير أعلام النبلاء (٦/ ١٤٠) وتهذيب التهذيب (٧/ ٢١٢).
(٤) أخرجه أبو داود في المراسيل (ص ١٦٣).

<<  <   >  >>