للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رحمه الله تعالى إلى ذلك وبين أن السلف رحمهم الله تعالى كانوا يخافون من النفاق أشد الخوف.

فقال: "ومن هنا كان الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق، ويشتد جزعهم منه، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر، لأن دسائس السوء الخفية توجب سوء الخاتمة وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في دعائه: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقيل له: يا نبي الله، آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا، فقال: نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها كيف شاء" (١). خرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث أنس ... (٢).

وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية، خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر، برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أن يكون ذلك منه نفاقًا كما في صحيح مسلم عن حنظلة الأسدي أنه مر به أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكي فقال: مالك؟ قال: نافق حنظلة يا أبا بكر نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرنا بالجنة والنار كأنهما رأي العين، فإذا رجعنا عافسنا (٣) الأزواج والصبية فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله أنا لكذلك،


(١) أخرجه أحمد (٣/ ١١٢) والترمذي: كتاب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن (٤/ ٤٤٨) وقال: هذا حديث حسن.
(٢) جامع العلوم والحكم (١/ ١٣٩).
(٣) عافسنا: المعافسة هي الملاعبة والممارسة، والمعنى اشتغلنا بمعايشنا وأزواجنا وأولادنا.
النهاية لابن الأثير (٣/ ٢٦٣).

<<  <   >  >>