للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا الحديث يدل على أن الله سبحانه وتعالى حجب التوبة أمام المبتدع، فلا يقبل له توبة، ذلك لأن المبتدع يرى أن عمله دين يتقرب به إلى الله عزّ وجلّ فلا يتوب منه ولا يرجع عنه وهذا بخلاف العاصي فإن العاصي يفعل المعصية وهو يعلم أنها معصية فيتوب منها.

وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن معني حديث أنس السابق فقال: "لا يوفق ولا ييسر صاحب بدعة لتوبة" (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ومعنى قولهم إن البدعة لا يتاب منها: أن المبتدع الذي يتخذ دينًا لم يشرعه الله ولا رسوله، قد زين له سوء عمله فرآه حسنًا، فهو لا يتوب مادام يراه حسنًا، لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه، أو بأنه ترك حسنًا مأمورًا به أمر إيجاب أو استحباب ليتوب ويفعله، فمادام يرى فعله حسنًا وهو سيء في نفس الأمر فإنه لا يتوب، ولكن التوبة منه ممكنة واقعة بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق كما هدى سبحانه وتعالى من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف من أهل البدع والضلال، وهذا يكون بأن يتبع من الحق ما علمه، فمن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧)} (٢) وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٦٨)} (٣) وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨)} (٤).


(١) غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب للسفاريني (٢/ ٥٨٢).
(٢) سورة محمد آية (١٧).
(٣) سورة النساء آية (٦٦ - ٦٨).
(٤) سورة الحديد آية (٢٨).

<<  <   >  >>