للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت (١): وقد وقع مثل هذا في كلام طائفة من أهل الحديث في الوضوء ونحوه ... فإن كان مرادهم أن من أتى بفرائض الإسلام وهو مصرّ على الكبائر تغفر له الكبائر قطعًا فهذا باطل قطعًا، يعلم بالضرورة من الدين بطلانه، وقد سبق قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أساء في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر" (٢)، يعني بعمله في الجاهلية والإسلام، وهذا أظهر من أن يحتاج إلى بيان.

وإن أراد هذا القائل أن من ترك الإصرار على الكبائر وحافظ على الفرائض من غير توبة ولا ندم على ما سلف منه كفّرت ذنوبه كلّها بذلك، واستدلّ بظاهر قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١)} (٣)، وقال: السيّئات تشمل الكبائر والصغائر، وكما أن الصغائر تكفّر باجتناب الكبائر من غير قصد ولا نيّة فكذلك الكبائر، وقد يستدلّ لذلك بأن الله وعد المؤمنين والمتّقين بالمغفرة وتكفير السيئات وهذا مذكور في غير موضع من القرآن، وقد صار هذا من المتّقين فإنه فعل الفرائض واجتنب الكبائر، واجتناب الكبائر لا يحتاج إلى نيّة وقصد، فهذا القول يمكن أن يقال في الجملة" (٤).

وقد رجّح ابن رجب رحمه الله تعالى القول الأوَّل، وبين أن الكبائر لا تكفّر بالأعمال الصالحة؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما كان للتوبة معنى، ولكان المصرّ على الكبائر مع محافظته على الصلاة مثلًا مكفّرة لكبائره، وليس عليه تبعة ولا يلزمه توبة لأنه بصلاته وأعماله الصالحة تمحى


(١) القائل ابن رجب رحمه الله تعالى.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب استتابة المرتدين (٨/ ٤٩).
(٣) سورة النساء، آية (٣١).
(٤) جامع العلوم والحكم (٢/ ٤١ - ٤٣).

<<  <   >  >>