للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألناه عمّا يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلًا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليّ فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرأون القرآن ويَتَقَفَّرون العلم (١) وذكر من شأنهم أنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أُحد ذهبًا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر" (٢).

ولقد سلك هذا المسلك العلماء من بعدهم الذين ساروا على ما سار عليه الصحابة الكرام رضي الله عنهم. يقول أبو محمد البربهاري رحمه الله تعالى: "والكلام والجدل والخصومة في القدر خاصّة منهيّ عنه عند جميع الفرق، لأن القدر سرّ الله، ونهى الربّ جلّ اسمه الأنبياء عن الكلام في القدر، ونهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن الخصومة في القدر، وكرهه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتابعون، وكرهه العلماء وأهل الورع، ونهوا عن الجدال في القدر، فعليك التسليم والإقرار والإيمان واعتقاد ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جملة الأشياء، واسكت عمّا سوى ذلك" (٣).

ويقول البغوي رحمه الله تعالى: "والقدر سرّ من أسرار الله لم يطلع عليه ملكًا مقرّبًا، ولا نبيًا مرسلًا، لا يجوز الخوض فيه، والبحث عنه بطريق العقل، بل يعتقد أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق، فجعلهم


(١) يتقفرون العلم: أي يطلبونه ويتتبعونه. النهاية لابن الأثير (٤/ ٩٠).
(٢) صحيح مسلم: كتاب الإيمان - باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان. . . (١/ ٣٦).
(٣) شرح السنة للبربهاري (ص ٣٦).

<<  <   >  >>