للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأشد اجتهادًا مني الآن (١) ولهذا لما خرج عمر رضي الله عنه إلى الشام لقيه أمراء الأمصار وأخبروه بانتشار الوباء فيها فاستشار المهاجرين والأنصار، ثم مهاجرة الفتح من مشايخ قريش، فاجتمع المهاجرة على الرجوع بعدًا عن الوباء فأمر عمر بذلك، فقال له أبو عبيدة: أفرارًا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت إن كانت لك إبل هبطت واديًا له عدوتان: إحداهما خصيبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف -وكان متغيبًا في بعض حاجته- فقال: إن عندي في هذا علمًا، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه، قال: فحمد الله عمر، ثم انصرف" (٢).

فإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها كان أشد اجتهادًا في فعلها والقيام بها، وأعظم من قيامه في أسباب معاشه ومصالح دنياه.

وبهذا يتبين أن القدر السابق لا يمنع العمل ولا يوجب الاتكال بل يوجب الجد والاجتهاد والحرص على العمل الصالح مع ملاحظة أن مباشرة الأسباب لا يعني تعلق القلب بها أو الاعتقاد بأنها مفضية إلى نتائجها قطعًا بل يجب أن يكون الاعتماد في حصول النتيجة على الله وحده لا على مباشرة السبب.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ". . . فالالتفات إلى


(١) انظر: شفاء العليل (ص ٢٦).
(٢) تقدم تخريجه (ص ٣٤٨).

<<  <   >  >>