للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حجبوا في الآخرة عن رؤيته، وهذا بخلاف حال أهل الجنة قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٦)} (١) والذين أحسنوا هم أهل الإحسان، والإحسان أن يعبد العبد ربه كأنه يراه كما فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سأله جبريل عليه السلام، فجعل جزاء الإحسان الحسنى وهو الجنة والزيادة وهي النظر إلى وجه الله عز وجل كما فسره بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث صهيب وغيره" (٢).

وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى في الجنة وهذا مناسب لجعله جزاء لأهل الإحسان، لأن الإحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة، كأنه يراه بقلبه وينظر إليه في حال عبادته، فكان جزاء ذلك النظر إلى وجه الله عيانًا في الآخرة، وعكس هذا ما أخبر الله تعالى به عن جزاء الله للكفار في الآخرة: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)} (٣)، وجعل ذلك جزاء لحالهم في الدنيا وهو تراكم الران على قلوبهم حتى حجبت عن معرفته ومراقبته في الدنيا فكان جزاؤهم على ذلك أن حجبوا عن رؤيته في الآخرة" (٤).

كما أوضح ابن رجب رحمه الله تعالى أن أهل الجنة كلهم يشتركون في رؤية الله تبارك وتعالى إلا أنهم يتفاوتون في أوقات الرؤية ومقدارها حيث قال: "كل أهل الجنة يشتركون في الرؤية لكن يتفاوتون في القرب في حال الرؤية، وفي أوقات الرؤية، عموم أهل الجنة يرون يوم المزيد


(١) سورة يونس آية (٢٦).
(٢) التخويف من النار (ص ١٥٣).
(٣) سورة المطففين آية (١٥).
(٤) جامع العلوم والحكم (١/ ٨٣).

<<  <   >  >>