للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما بعث الله الرسل وأنزل الكتب لإبطال ذلك كله، فمن اتبع ما جاءوا به فقد اهتدى، ومن أعرض عنه أو عن شيء منه واعترض فقد ضل ... وقد ظن المريسي ونحوه ممن ضل وافترى على الله أن هذا الحديث يرد لما يتضمن من التشبيه فضل وأضل" (١).

والحقيقة أن المتأمل لكلام النفاة للرؤية واستدلالاتهم يجد أن ذلك منهم مبني على التعسف وتحريف الكلم عن مواضعه، لأنه لا يشهد لمذهبهم سمع ولا عقل بل كل ذلك يرد عليهم.

وسأذكر أشهر أدلتهم التي استدلوا بها من القرآن والرد عليها:

الدليل الأول: قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (٢).

قالوا: إن الله مدح نفسه بأنه لا يرى بالأبصار، وما كان نفيه تمدحًا راجعًا إلى ذاته كان إثباته نقصًا، والنقائص غير جائزة على الله تعالى في حال من الأحوال (٣).

والجواب عن ذلك أن يقال: إن الآية تدل على كمال عظمة الله تعالى وأنه أكبر من كل شيء وأنه لكمال عظمته لا يدرك، وهذا ما مدح الله به سبحانه وتعالى نفسه ولم يذكر أنه لا يرى، والإدراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية، كما قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢)} (٤) فلم ينف موسى عليه السلام الرؤية، وإنما نفى الإدراك ولا


(١) فتح الباري (٣/ ١٣٤).
(٢) سورة الأنعام آية (١٠٣).
(٣) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (ص ٢٣٣) والإبانة في أصول الديانة لأبي الحسن الأشعري (ص ٧٩).
(٤) سورة الشعراء آية (٦١، ٦٢).

<<  <   >  >>