للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صورة المقابل، فيعبر عنه إما بعبارة قد اقترنت بنفس التصور، وذلك هو {آيَاتُ الْكِتَاب} ١، أو بعبارة نفسه، وذلك هو أخبار النبوة وهذا كله بطرفه الروحاني.

وقد يتمثل الملك الروحاني له بمثال صورة البشر تمثل المعنى الواحد بالعبارات المختلفة، أو تمثل الصورة الواحدة في المرايا المتعددة، أو الظلال المتكثرة للشخص الواحد، فيكالمه مكالمة حسية، ويشاهده مشاهدة عينية ويكون ذلك بطرفه الجسماني. وإن انقطع الوحي عنه لم ينقطع عنه التأييد والعصمة حتى يقومه في أفكاره، ويسدده في أقواله، ويوفقه في أفعاله.

ولا تستبعدوا معاشر الصابئة تلقي الوحي على الوجه المذكور، ونزول الملك على النسق المعقود، وعندكم أن هرمس العظيم صعد إلى العالم الروحاني، فانخرط في سلكهم. فإذا تصور صعود البشر، فلم لا يتصور بزلل الملك؟، وإذا تحقق أنه خلع لباس البشرية، فلم لا يجوز أن يلبس الملك لباس البشرية؟. فالحنيفية إثبات الكمال في هذا اللباس، أعني لباس الناس. والصبوة إثبات الكمال في خلع كل لباس. ثم لا يتطرق ذلك لهم حتى يثبتوا لباس الهياكل أولا، ثم لباس الأشخاص والأوثان ثانيا. ولقد قال لهم رأس الحنفاء متبرئا عن الهياكل والأشخاص {إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ٢.

وأما الثاني: فهو الصعود من حاجة الناس إلى إثبات أمر الباري تعالى، قال المتكلم الحنيف: لما كان نوع الإنسان محتاجا إلى اجتماع على نظام. وذلك الاجتماع لن يتحقق إلا بحدود وأحكام في حركاته ومعاملاته، يقف كل منهم عند حده المقدر له لا يتعداه، وجب أن يكون بين الناس شرع يفرضه شارع يبين فيه أحكام الله تعالى في الحركات، وحدوده في المعاملات، فيرتفع به الاختلاف والفرقة، ويحصل به الاجتماع والألفة. وهذا


١ يونس آية ١. وجاءت في غير سورة مثل: يوسف، الرعد، والحجر.
٢ الأنعام آية ٧٨، ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>