للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرئيس أبو علي الحسين بن سينا: وأمثل ما يحمل عليه هذا القول أن يقال: كون الشيء واحدا غير كونه موجودا أو إنسانا، وهو في ذاته أقدم منهما، فالحيوان الواحد لا يحصل واحدا إلا وقد تقدمه معنى الوحدة الذي صارا به واحدا، ولولاه لم يصح وجوده، فإذن هو الأشرف الأبسط الأول، وهذه صورة العقل، فالعقل يجب أن يكون الواحد من هذه الجهة، والعلم دون ذلك في الرتبة، لأنه بالعقل ومن العقل، فهو كالاثنين الذي يفتقر إلى الواحد ويصدر منه، وكذلك العلم يئول إلى العقل. ومعنى الظن والرأي عدد السطح، والحس عدد المصمت: أن السطح لكونه ذا ثلاث جهات هو طبيعة الظن الذي هو أعم من العلم مرتبة، وذلك لأن العلم يتعلق بمعلوم معين، والظن والرأي ينجذب إلى الشيء ونقيضه، والحس أعم من الظن، فهو المصمت أي الجسم له أربع جهات.

ومما نقل عن فيثاغورس أن العالم إنما ألف من اللحون البسيطة الروحانية. ويذكر أن الأعداد الروحانية غير منقطعة، بل أعداد متحدة تتجزأ من نحو العقل، ولا تتجزأ من نحو الحواس. وعد عوالم كثيرة. فمنه عالم هو سرور محض في أصل الإبداع وابتهاج وروح في وضع الفطرة، ومنه عالم هو دونه. ومنطقها ليس مثل منطق العوالم العالية، فإن المنطق قد يكون باللحون الروحانية البسيطة، وقد يكون باللحون الروحانية المركبة.

والأول يكون سرورها دائما غير منقطع. ومن اللحون ما هو ناقص في التركيب، لأن المنطق بعد لم يخرج إلى الفعل، فلا يكون السرور بغاية الكمال، لأن اللحن ليس بغاية الاتفاق.

وكل عالم فهو دون الأول بالرتبة، وتتفاضل العوالم بالحسن والبهاء والرتبة. والأخير ثقل العوالم وثقلها١ وسفلها، ولذلك لم يجتمع كل الاجتماع، ولم تتحد الصورة بالمادة كل الاتحاد، وجاز على كل جزء منه الانفكاك عن الجزء الآخر، إلا أن فيه


١ الثفل؛ بصم الثاء وسكون الفاء، والثافل: ما استقر تحت الشيء من كدرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>