طرفا منه غير منقسم، فإنه لو كان كذلك لكان المحل كالنقطة التي لا تميز لها في الوضع عن الخط، فإن الطرف نهاية الخط: والنهاية لا يكون لها نهاية أخرى، وإلا تسلسل القول فيه، فتكون النقط متشافعة ولكل نهاية، وذلك محال. وإن كل محل المعقول من الجسم شيئا ينقسم. فيجب أن ينقسم المعقول بانقسام محله، ومن المعقولات ما لا ينقسم ألبتة، فإن ما ينقسم يجب أن يكون شيئا كالشكل والمقدار. والإنسانية الكلية المتصورة في الذهن ليست كشكل قابل للقطع، ولا كمقدار قابل للفصل. فتبين أن النفس ليست بجسم، ولا قوة في جسم، ولا صورة في جسم.
المسألة الخامسة عشرة: في وجه اتصالها بالبدن، ووقت اتصالها
قال: إذا تحقق أنها ليست بجسم لم تتصل بالبدن اتصال انطباع فيه، ولا حلول فيه، بل اتصلت به اتصال تدبير وتصرف. وإنما حدثت مع حدوث البدن لا قبله ولا بعده، قال: لأنها لو كانت موجودة قبل وجود الأبدان لكانت إما متكثرة بذواتها، وإما متحدة. وبطل الأول، فإن المتكثر إما أن يكون بالماهية والصورة، وقد فرضناها متفقة في النوع لا اختلاف فيها، فلا تكثر فيها ولا تمايز. وإما أن تكون متكثرة من جهة النسبة إلى العنصر والمادة المتكثرة بالأمكنة والأزمنة, وهذا محال أيضا. فإنا إذا فرضناها قبل البدن ماهية مجردة لا نسبة لها إلى مادة دون مادة. وهي من حيث إنها ماهية لا اختلاف فيها، وأن الأشياء التي ذواتها معان تتكثر تنوعاتها بالحوامل والقوابل، والمنفعلات عنها. وإذا كانت مجردة فمحال أن يكون بينها مغايرة ومكاثرة.
ولعمري إنها تبقى بعد البدن متكثرة، فإن الأنفس قد وجد كل منها ذاتا منفردة باختلاف موادها التي كانت، وباختلاف أزمنة حدوثها، وباختلاف هيئات وملكات حصلت عند الاتصال بالبدن، فهي حادثة مع حدوث البدن، تصيره نوعا كسائر الفصول