الذاتية، وباقية بعد مفارقة البدن بعوارض معينة له, لم توجد تلك العوارض قبل اتصالها بالبدن. وبهذا الدليل فارق أستاذه. وفارق قدماءه.
وقد وجد في أثناء كلامه ما يدل على أنه يعتقد أن النفس كانت موجودة قبل وجود الأبدان. فحمل بعض مفسري كلامه قوله ذلك على أنه أراد به الفيض والصور الموجودة بالقوة في واهب الصور، كما يقال إن النار موجودة في الحجر والشجر، أو الإنسان موجود في النطفة، والنخلة موجودة في النواة، والضياء موجود في الشمس. ومنهم من أجراه على ظاهره وحكم بالتمييز بين النفوس بالخواص التي لها، وقال: اختصت كل نفس إنسانية بخاصية لم يشاركها فيها، فليست متفقة بالنوع، أعني النوع الأخير. ومنهم من حكم بالتمييز بالعوارض التي هي مهيأة نحوها، وكما أنها تتمايز بعد الاتصال بالبدن بأنها كانت متمايزة في المادة, كذلك تتمايز بأنها ستكون متمايزة بالأبدان، والصنائع والأفعال، واستعداد كل نفس لصنعة خاصة، وعلم خاص فتنهض هذه فصولا ذاتية أو عوارض لازمة لوجودها.
المسألة السادسة عشرة: في بقائها بعد البدن، وسعادتها في العالم العقلي
قال: إن النفوس الإنسانية إذا استكملت قوتي العلم والعمل تشبهت بالإله سبحانه وتعالى، وو صلت إلى كمالها، وإنما هذا التشبه بقدر الطاقة يكون إما بحسب الاستعداد، وإما بحسب الاجتهاد، فإذا فارق البدن اتصل بالروحانيين، وانخرط في سلك الملائكة المقربين. ويتم له التذاذ والابتهاج. وليس كل لذة فهي جسمانية، فإن تلك اللذات لذات نفسانية عقلية، وهذه اللذة الجسمانية تنتهي إلى حد، ويعرض للملتذ سآمة، وكلال، وضعف، وقصور إن تعدى عن الحد المحدود، بخلاف اللذات العقلية، فإنها حيثما ازدادت ازداد الشوق والحرص والعشق إليها.