وكذلك القول في الآلام النفسانية، فإنها تقع بالضد مما ذكرنا. ولم يحقق المعاد إلا للأنفس، ولم يثبت حشرا، ولا نشرا، ولا إنحلالا لهذا الرباط المحسوس من العالم، ولا إبطالا لنظامه، كما ذكره القدماء.
فهذه نكت كلامه استخرجناها من مواضع مختلفة، وأكثرها من شرح ثامسيطيوس وكلام الشيخ أبي علي بن سينا الذي يتعصب له، وينصر مذهبه، ولا يقول من القدماء إلا به.
وسنذكر طريقة ابن سينا عند ذكر فلاسفة الإسلام إن شاء الله تعالى.
ونحن الآن ننقل كلمات حكمية لأصحاب أرسطوطاليس ومن نسج على منواله بعده، دون الآراء العلمية، إذ لا خلاف بينهم في الآراء والعقائد.
ووجدت كلمات وفصولا للحكيم أرسطوطاليس من كتب متفرقة، فنقلتها على الوجه الذي وجدت، وإن كان في بعضها ما يدل على أن رأيه على خلاف ما نقله ثامسيطيوس واعتمده ابن سينا.
منها في حدوث العالم، قال: الأشياء المحمولة أعني الصور المتضادة, فليس يكون أحدهما من صاحبه، بل يجب أن يكون بعد صاحبه، فيتعاقبان على المادة، فقد بان أن الصورة تدثر وتبطل. وإذا دثر معنى وجب أن يكون له بدء، لأن الدثور غاية، وهو أحد الجانبين يدل على أن جائيا جاء به. فقد صح أن الكون حادث لا من شيء، وأن الحامل لها غير ممتنع الذات من قبولها وحمله إياها, وهي ذات بدء وغاية, يدل على أن حاملها ذو بدء وغاية، وأنه حادث لا من شيء، ويدل على محدث لا بدء له ولا غاية، لأن الدثور آخر، والآخر ما كان له أول، فلو كانت الجواهر والصور لم يزالا فغير جائز استحالتهما، لأن الاستحالة دثور الصورة التي بها كان شيء.