للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو عارض لها أن يعقل، وذلك محال. بل كما أنه مبدأ كل وجود فيعقل من ذاته ما هو مبدأ له، وهو مبدأ للموجودات التامة بأعيانها. والموجودات الكائنة الفسدة بأنواعها أولا وبتوسط ذلك بأشخاصها. ولا يجوز أن يكون عاقلا لهذه المتغيرات مع تغيرها حتى يكون تارة يعقل منها أنها موجودة غير معدومة، وتارة يعقل منها أنها معدومة غير موجودة. ولكل واحد من الأمرين صورة عقلية على حدة، ولا واحد من الصورتين يبقى مع الثانية فيكون واجب الوجود متغير الذات، بل واجب الوجود إنما يعقل كل شيء على نحو فعلي كلي، ومع ذلك فلا يعزب عنه شيء شخصي، فـ {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} ١. وأما كيفية ذلك، فلأنه إذا عقل ذاته، وعقل أنه مبدأ كل موجود عقل أوائل الموجودات وما يتولد عنها. ولا شيء من الأشياء يوجد إلا وقد صار من جهة ما واجبا بسببه، فتكون الأسباب بمصادماتها تتأذى إلى أن يوجد عنها الأمور الجزئية. فالأول يعلم الأسباب ومطابقاتها، فيعلم ضرورة ما تتأذى إليه، وما بينها من الأزمنة، وما لها من العودات، فيكون مدركا للأمور الجزئية من حيث هي كلية، أعني من حيث لها صفات، وإن تخصصت بها شخصا فبالإضافة إلى زمان متشخص أو حال متشخصة. وكونه يعقل ذاته ونظام الخير الموجود في الكل ونفس مدركة من الكل هو سبب لوجود الكل ومبدأ له وإبداع وإيجاد، ولا يستبعد هذا، فإن الصورة المعقولة التي تحدث فينا تصير سببا للصورة الموجودة الصناعية، ولو كانت بنفس وجودها كافية لأن تتكون منها الصورة الصناعية دون آلات وأسباب لكان المعقول عندنا هو بعينه الإرادة والقدرة، وهو العقل المقتضى لوجوده، فواجب الوجود ليس إرادته وقدرته مغايرة لعلمه لكن القدرة التي له هي كون ذاته عاقلة للكل عقلا هو مبدأ الكل لا مأخوذا عن الكل، ومبدأ بذاته لا متوقفا على غرض وذلك هو الإرادة، وهو جواد بذاته، وذلك هو بعينه قدرته وإرادته وعلمه، فالصفات منها ما هو بهذه الصفة أي أنه موجود مع هذه الأضافة، ومنها ما له هذا الوجود مع سلب، فمن لم يتحاش عن إطلاق لفظ الجوهر لم يعن به إلا هذا الوجود مع سلب الكون في موضوع.


١ سبأ آية ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>