قال ابن سينا: إن العناصر الأربعة عساها أن لا توجد كلياتها صرفة, بل يكون فيها اختلاط، ويشبه أن تكون النار أبسطها في موضعها ثم الأرض، أما النار فلأن ما يخالطها يستحيل إليها لقوتها، وأما الأرض فلأن نفوذ قوى ما يحيط بها في كليتها بأسرها كالقليل، وعسى أن يكون باطنها القريب من المركز يقرب من البساطة، ثم الأرض على طبقات: الطبقة الأولى القريبة من المركز، والثانة الطين، والثالثة بعضها ماء وبعضها طين جففته الشمس وهو البر. والسبب في أن الماء غير محيط بالأرض أن الأرض تنقلب ماء فتحصل وهدة, والماء يستحيل أرضا فتحصل ربوة، والأرض صلب وليس بسيال كالماء والهواء حتى ينصب بعض أجزائه إلى بعض ويتشكل بالاستدارة. وأما الهواء فهو أربع طبقات طبقة تلي الأرض فيها مائية من البخارات وحرارة لأن الأرض تقبل الضوء من الشمس فتحمي فتتعدى الحرارة إلى ما يجامرها، وطبقة لا تخلو عن رطوبة بخارية ولكن أقل حرارة، وطبقة هي هواء صرف صاف، وطبقة دخانية لأن الأدخنة ترتفع إلى الهواء وتقصد مركز النار فتكون كالمنتشر في السطح الأعلى من الهواء إلى أن تتصعد فتحترق. وأما النار فإنها طبقة واحدة ولا ضوء لها, بل هي كالهواء المشف الذي لا لون له، وإن رئي لون للنار فهي بما يخالطها من الدخان صارت ذات لون. ثم فوق النار الأجرام العالية الفلكية، والعناصر بطبقاتها طوعها، والكائنات الفاسدات تتولد من تأثيراتها. والفلك وإن لم يكن حارا ولا باردا فإنه ينبعث منه في الأجرام السفلية حرارة وبرودة بقوى تفيض منه إليها، ونشاهد هذا من إحراق شعاعه المنعكس على المرائي، ولو كان سبب الإحراق حرارة الشمس دون شعاعه لكان كل ما هو أقرب إلى العلو أسخن، بل سبب الإحراق التفاف الشعاع الشمسي المسخن لما يلتف به فيسخن الهواء، فالفلك إذا هيج بإسخانه الحرارة بخر من الأجسام المائية ودخن من الأجسام المائية ودخن من الأجسام الأرضية. وأثار شيئا بين الغبار والدخان