يشتمل على حدود وسطى فيه, إما دفعة في زمان واحد، وإما دفعات في أزمنة شتى، وهي القوة القدسية التي تناسب روح القدس فيفيض عليها منه جميع المعقولات. أو ما يحتاج إليه في تكميل القوة العملية. فالدرجة العليا منها النبوة فربما يفيض عليها وعلى المتخيلة من روح القدس معقول تحاكيه المتخيلة بأمثلة محسوسة وكلمات مسموعة، فيعبر عن الصورة بملك في صورة رجل، وعن الكلام بوحي في صورة عبارة.
المقالة الخامسة:
في أن النفس الإنسانية جوهر ليس بجسم ولا قائم بجسم. وأن إدراكها قد يكون بآلات وقد يكون بذاتها بغير آلات. وأنها واحدة وقواها كثيرة، وأنها حادثة مع حدوث البدن وباقية بعد فناء البدن.
أما البرهان على أن النفس ليست بجسم هو أنا نحس من ذواتنا إدراكا معقولا مجردا عن المواد وعوارضها، أعني الكم والأين والوضع، إما لأن المدرك لذاته مجرد كالعلم بالوحدة والعلم بالوجود مطلقا، وإما لان العقل جرده عن العوارض كالإنسان مطلقا. فيجب أن ينظر في ذات هذه الصورة المجردة كيف هي تجردها؟ أبالقياس إلى الشيء المأخوذ عنه؟ أم بالقياس إلى مجرد الآخذ؟ ولا شك أنها بالقياس إلى المأخوذ عنه ليست مجردة، فبقي أنها مجردة من الوضع والأين عند وجودها في العقل، والجسم ذو وضع وأين، وما لا وضع له لا يحل ما له وضع وأين. وهذه الطريقة أقوى الطرق، فإن الشيء المعقول الواحد الذات المتجرد عن المادة لا يخلو إما أن يكون له نسبة إلى بعض الأجزاء دون البعض فيحل في جهة دون جهة حتى يكون متيامنا أو متياسرا بالنسبة إلى المحل، أو تكون نسبته إلى الكل نسبة واحدة، أو لا يكون لها نسبة إليه ولا له إلى جميع الأجزاء، فإن ارتفعت النسبة من كل وجه ارتفع الحلول في جملة الجسم أو في جزء من أجزائه، وإن تحققت النسبة صار الشيء المعقول ذا وضع وقد وضع غير ذي وضع، هذا خلف. وبه يتبين أن الصورة المنطبعة في المادة لا تكون إلا أشباحا