الكلام. إلا أن الجبائي خالف أصحابه خصوصا بقوله: يحدث الله تعالى عند قراءة كل قارئ كلاما لنفسه في محل القراءة، وذلك حين ألزم أن الذي يقرؤه القارئ ليس بكلام الله، والمسموع منه ليس من كلام الله، فالتزم هذا المحال من إثبات أمر غير معقول ولا مسموع؛ وهو إثبات كلامين في محل واحد.
واتفقا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار، وعلى القول بإثبات الفعل للعبد خلقا وإبداعا، وإضافة الخير والشر، والطاعة والمعصية إليه استقلالا واستبدادا، وأن الاستطاعة قبل الفعل، وهي قدرة زائدة على سلامة البنية وصحة الجوارح، وأثبتا البنية شرطا في قيام المعاني التي يشترط في ثبوتها الحياة، واتفقا على أن المعرفة وشكر المنعم، ومعرفة الحسن والقبح واجبات عقلية، وأثبتا شريعة عقلية وردا الشريعة النبوية إلى مقدرات الأحكام ومؤقتات الطاعات التي لا يتطرق إليها عقل، ولا يهتدي إليها فكر. وبمقتضى العقل والحكم يجب على الحكيم ثواب المطيع وعقاب العاصي، إلا أن التأقيت والتخليد فيه يعرف بالسمع.
والإيمان عندهما اسم مدح، وهو عبارة عن خصال الخير التي إذا أجتمعت في شخص سمي بها مؤمنا، ومن ارتكب كبيرة فهو في الحال يسمى فاسقا، لا مؤمنا ولا كافرا، وإن لم يتب ومات عليها فهو مخلد في النار.
واتفقا على أن الله تعالى لم يدخر عن عباده شيئا مما علم أنه إذا فعل بهم أتوا بالطاعة والتوبة من الصلاح والأصلح واللطف، لأنه قادر، عالم جواد، حكيم لا يضره الإعطاء، ولا ينقص من خزائنه المنح، ولا يزيد في ملكه الادخار، وليس الأصلح هو الألذ، بل هو الأعود في العاقبة، والأصوب في العاجلة وإن كان ذلك مؤلما مكروها، وذلك كالحجامة والفصد، وشرب الأدوية. ولا يقال إنه تعالى يقدر على شيء هو أصلح مما فعل بعبده، والتكاليف كلها ألطاف. وبعثة الأنبياء، وشرع الشرائع، وتمهيد الأحكام والتنبيه على الطريق الأصوب، كلها ألطاف.