ومما تخالفا فيه: أما في صفات الباري تعالى فقال الجبائي: الباري تعالى عالم لذاته، قادر حي لذاته. ومعنى قوله: لذاته أي لا يقتضي كونه عالما صفة هي علم، أو حال توجب كونه عالما.
وعند أبي هاشم: هو عالم لذاته، بمعنى أنه ذو حالة هي صفة معلومة وراء كونه ذاتا موجودا، وإنما تعلم الصفة على الذات لا بانفرادها. فأثبت أحوالا هي صفات لا موجودة ولا معدومة ولا معلومة ولا مجهولة. أي هي على حيالها لا تعرف كذلك بل مع الذات. قال: والعقل يدرك فرقا ضروريا بين معرفة الشيء مطلقا، وبين معرفته على صفة، فليس من عرف الذات عرف كونه عالما، ولا من عرف الجوهر عرف كونه متحيزا قابلا للعرض. ولا شك أن الإنسان يدرك اشتراك الموجودات في قضية، وافتراقها في قضية. وبالضرورة يعلم أن ما اشتركت فيه غير ما افترقت به. وهذه القضايا العقلية لا ينكرها عاقل، وهي لا ترجع إلى الذات، ولا إلى أعراض وراء الذات، فإنه يؤدي إلى قيام العرض بالعرض فتعين بالضرورة أنها أحوال. فكون العالم عالما حال هي صفة وراء كونه ذاتا، أي المفهوم منها غير المفهوم من الذات. وكذلك كونه قادرا، حيا. ثم أثبت للباري تعالى حالة أخرى أوجبت تلك الأحوال، وخالفه والده وسائر منكري الأحوال في ذلك، وردوا الاشتراك والافتراق إلى الألفاظ وأسماء الأجناس. وقالوا: أليست الأحوال تشترك في كونها أحوالا وتفترق في خصائص؟ كذلك نقول في الصفات، وإلا فيؤدي إلى إثبات الحال للحال، ويفضي إلى التسلسل. بل هي راجعة إما إلى مجرد الألفاظ إذ وضعت في الأصل على وجه يشترك فيها الكثير، لا أن مفهومها معنى أو صفة ثابتة في الذات على وجه يشمل أشياء ويشترك فيها الكثير، فإن ذلك مستحيل. أو يرجع ذلك إلى وجوه واعتبارات عقلية هي المفهومة من قضايا الاشتراك والافتراق، وتلك الوجوه. كالنسب والإضافات، والقرب والبعد وغير ذلك مما لا يعد صفات بالاتفاق، وهذا هو اختيار أبي الحسين١ البصري، وأبي الحسن
١ هو أبو الحسين محمد بن علي الطيب البصري المتكلم على مذهب المعتزلة، وهو أحد أئمتهم الأعلام المشار إليه في هذا الفن. توفي سنة ٤٣٦هـ "ابن خلكان ١/ ٦٠٩".