للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المعطلة للربوبية والإلهية، وترفع فيها شعارهم، ويهدم الإسلام، والتوحيد، ويعطّل التسبيح، والتكبير، والتحميد، وتقلع قواعد الملّة والإيمان، ويحكم بينهم بحكم الإفرنج واليونان، ويُشتم السابقون من أهل بدر، وبيعة الرضوان، فالإقامة بين ظهرانيهم، والحالة هذه، لا تصدر عن قلب باشره حقيقة الإسلام، والإيمان، والدين، وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين، بل لا يصدر عن قلب رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً؛ فإنّ الرضا بهذه الأصول الثلاثة قطب رحى الدين، وعليه تدور حقائق العلم واليقين، وذلك يتضمن من محبة الله، وإيثار مرضاته، والغيرة


*إنّ إقامة المسلم بين ظهراني الكفار في بلدهم، والحالة هذه، محرم، مهما بلغ حاجة المسلم لشيء عندهم، خاصة إن كان من أصل بلد إسلامي، أو غيره، حيث يمكنه إظهار دينه. انظر. المحلى؛ لابن حزم، ١٣/١٣٩.
ويجوز السفر إلى مثل تلك البلاد -من غير قصد إقامة-ولكن بشرط، هو: كون المسافر إليها، قاصداً لدعوة أهلها إلى الإسلام، وهو مؤهل لذلك، ويشعر في نفسه القدرة على تحمل المشاق، ومجاهدة النفس أمام الفتن، والمغرضات. فمتى ما تحقق ذلك في المرء، جاز له السفر، وإن كان لغير ذلك القصد، فلا يجوز السفر إليها.
أما إن كان بلد الكفار مفتوحا أمام الأديان بحيث يمكن للمرء إظهار دينه، وممارسة شعائره، والدعوة إليها، فهنا يجوز للمسلم طلب حاجته إليهم، كالتجارة ودراسة ما نحن بحاجة إليه من العلوم، مما لا يوجد عندنا، كل ذلك في فترات محدودة معينة، وكذلك الإقامة عندهم، للدعوة، ونشر الإسلام، ومن هذا الأخير تلمسنا في الآونة الأخيرة، دور المهاجرين المسلمين إلى أروبا وأمريكا، في نشر الإسلام في تلك البلدان. وهذا في مسلم أصله من بلد إسلامي.
أما إن كان من بلد غير إسلامي، فلا يخلو من الحالات التالية:
أن يكون في بلد يتمكن فيه من إظهار دينه، وإقامة شعائره، والدعوة إلى الله. فهذا يجب عليه بقائه بينهم يدعو إلى الله تعالى.
أن يكون بلده لا يتمكن فيه من إظهار دينه، فهذا أيضا لا يخلو من أمرين:
أن يكون قادرا على الهجرة، فهنا يلزمه الهجرة إلى حيث يظهر دينه، من بلد الكفار، إن لم يجد دولة إسلامية تؤويه.
أن يكون غير قادر على الهجرة، لشدة التضييق عليه، أو افتقاره لمؤونة السفر، فيجوز لهذا الاستتار بدينه بين كفار بلده. ويدخل في قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء:٩٩] انظر: الولاء والبراء في الإسلام، لمحمد بن سعيد القحطاني، دار طيبة مكة المكرمة، ط/٦ ١٤١٣هـ ص٢٧٠ - ١٨٠. وسيأتي كلام المصنف في مسألة الرجل الذي يخالط أهل بلدة، ويرجوا أن يجيبوه ص٢٤٢

<<  <  ج: ص:  >  >>