للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الحوادث العظام التي هدمت أركان الإسلام، لله فيها سِرٌ وحكمة بالغة، يطلع من شاء من عباده على عنوان وأنموذج من سرّ القدر والقضاء، وأكثر الناس في خفارة١ جهله، وكثافة طبعه، كالبعير الذي يعقله أهله، ثم يطلقونه، لا يدري فيما عُقل؟ ولا فيما أطلق؟

وتذكر أنّ الغربة (٢) اشتدّت، والأمر كما وصفت، وأعظم مما إليه أشرت، ولكن ليكن لك على بال ما ورد في فضل الغرباء ووصفهم (٣) . فاغتنم نصرة الإسلام،


١ الخفارة: تطلق على الحماية والوفاء، وتطلق على الغدر والخيانة، والمراد هنا الثاني.
لسان العرب، ٤/٢٥٣، مادة (خفر) .
(٢) يشير هنا إلى غربة الدين الإسلامي، التي تزداد يوماً بعد يومٍ إلى قيام الساعة، وهي ما أشار إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديث ابن عمر-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-بقوله:" إنّ الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، وهو يأزر بين المسجدين كما تأزر الحية في جحرها". صحيح مسلم بشرح النووي، ٢/٥٣٦، الإيمان، باب (بيان أنّ الإسلام بدأ غريباً. إلخ) . سنن الترمذي، ٥/١٨، الإيمان، باب (ما جاء أنّ الإسلام بدأ غريباً) .
(٣) فضل الغرباء: ورد في فضل الغرباء ووصفهم، أحاديث عدّة، منها:
أ-حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم" بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء". صحيح مسلم بشرح النووي، ٢/٥٣٦. سنن ابن ماجة، ٢/٣٧٦، الفتن، باب (بدأ الإسلام غريباً) .
وقد ذكر الإمام النووي-رحمه الله-في معنى قوله."طوبى للغرباء"، عدّة أقوال؛ عن ابن عباس –رضي الله عنهما-أنّ معناه: فرح، وقرة عين؛ وقال عكرمة: نعم ما لهم؛ وقال الضحاك: غبطة لهم؛ وقال قتادة: حسنى لهم، وعنه: أصابوا خيراً؛ وقال إبراهيم: خير لهم وكرامة؛ وقال ابن عجلان: دوام الخير؛ وقيل الجنة؛ وقيل: شجرة في الجنة. قال: وكلّ هذه الأقوال محتملة. شرح صحيح مسلم، للنووي، ٢/٥٣٤-٥٣٥) .
وقال ابن الأثير-رحمه الله-:" طوبى: اسم الجنة، وقيل: شجرة فيها". النهاية لابن الأثير، ٣/١٤١) .
ب-أخرج الترمذي في سننه-في صفة الغرباء-عن طريق كُثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جدّه:" ... إنّ الدين بدأ غريباً، ويرجع غريباً، فطوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنّتي". قال الترمذي: هذا حديث حسن، صحيح. سنن الترمذي، ٥/١٩-٢٠. قال ابن الأثير-رحمه الله-في معنى الحديث:" أي أنه كان في أول أمره، كالغريب الوحيد الذي لا أهل له عنده؛ لقلة المسلمين يومئذٍ، وسيعود غريباً كما كان: أي يقلُّ المسلمون في آخر الزمان، فيصيرون كالغرباء. فطوبى للغرباء: الجنة لأولئك المسمين الذين كانوا في أوّل الإسلام، وإنّما خصهم بها؛ لصبرهم على أذى الكفار أولاً وآخراً، ولزومهم دين الإسلام". النهاية لابن الأثير، ٣/٣٤٨. وجاء عند ابن ماجة:" قيل: ومن الغرباء؟ قال:" النُّزَّاع من القبائل". سنن ابن ماجة، ٢/٣٧٦.
قال ابن الأثير:" (النُّزَّاع من القبائل) : هم جمع نازع ونزيع، وهو الغريب الذي نزع عن أهله وعشيرته، أي بَعُدَ وغاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>