للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبور الأولياء والصالحين، وجُعِلَت أوثاناً تُقصَد من دون الله رب العالمين (١) ، عظَّمها قوم لم يعرفوا حقيقة الإسلام، ولم يشموا رائحة العلم، ولم يحصلوا على شيء من رائحة النبوّة، ولم يفقهوا من أخبار الأمم قبلهم، وكيف كان بدء شركهم (٢) ، ومنتهى نحلتهم، ونهاية طريقتهم، وما هذا الذي عابه القرآن عليهم وذمه (٣) ، وتلطّف الشيطان في كيد هؤلاء الغلاة في قبور الصالحين توسلاً ونداءً، وحُسن اعتقاد في الأولياء، وتشّفُعاً بهم (٤) ، واستظهاراً بأرواحهم الشريفة، فاستجاب لهم صبيان العقول، وخفافيش البصائر، وداروا مع الأسماء، ولم يقفوا مع الحقائق، فعادت عبادة الأولياء والصالحين، ودعاء الأوثان والشياطين، كما كانت قبل النبوة،


(١) وقد عقد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في ذلك باباً في كتاب التوحيد، سمّاه: باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين، يصيّرها أوثاناً تعبد من دون الله.
(٢) هذا تنبيه لعباد قبور الصالحين ومعظِّميها، إلى أن عملهم ذلك شبيه بعمل أناس من قوم نوح، الذين عظّموا الصالحين، وغلوا فيهم، واتخذوا لهم تماثيل بعد موتهم، وكانت سبباً في بدء الشرك بالله، كما أخرج ذلك الإمام البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:٢٣] ، قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً، وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنَّسخ العلم عبدت". صحيح البخاري مع الفتح ٨/٥٣٥.
(٣) فقد عاب القرآن على المشركين، في كثير من الآيات منها:
قوله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً} [المائدة:٧٦] .
وقوله تعالى: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: ٦٦، ٦٧] .
(٤) هذه هي حجة المشركين الواهية على مرِّ الدهور، في عبادتهم الأوثان؛ إذ يزعمون أنّ عبادتهم لها إن هي إلا تقرُّباً وتشّفعاً بها إلى الله، وقد حكى الله عنهم فيقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>