للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ أعلن به وأظهره بشر المريسي١، وأصحابه، في أوائل المائة الثالثة، لأنهم تمكّنوا من بعض ملوك بني العباس٢، وصار لهم عنده جاه ومنزله، فقويت بذلك شوكة الجهمية، وكثر شرُّهم، وعظم على الإِسلام وأهله كيدهم، وضررهم، حتى امتحنوا من لم يوافقهم على بدعتهم وضلالتهم، فشرّدوا بعض أهل السنة عن أوطانهم، وحبسوا وضربوا، وقتلوا على هذا المذهب٣.

وجرى على إمام السنة، الإِمام المبجّل أحمد بن حنبل من ذلك أشدّ امتحان وأعظم بليّة، وضُرب حتى أغشي عليه من الضرب، فإذا جادله منهم مجادل، قال: ائتوني بشيء من كلام الله، وكلام رسوله، حتى أجيبكم إليه٤، فيأبون ويرجعون إلى شبه الفلاسفة، واليونان، وهو مع ذلك يكشف لهم الشبه، ويبّين بطلانها، بأدلّة الكتاب،


١ هو بشر بن غياث بن أبي كريمة البغدادي المريسي، أبو عبد الرحمن، من موالي آل زيد بن الخطاب –رضي الله عنه- متكلم مناظر أخذ عن القاضي أبي يوسف وسفيان بن عيينة وغيرهما، نظر في الكلام فغلب عليه، وانسلخ من الورع والتقوى، وجرّد القول بخلق القرآن ودعا إليه، (ت٢١٨هـ) . انظر تاريخ بغداد ٧/٥٦،سير الأعلام١٠/١٩٩.
*وقد ناظره الإمام عبد العزيز بن يحيى الكناني المكي (ت٢٤٠هـ) ، في مسألة خلق القرآن، فألزمه الحجة، وتغلب عليه، حتى أن بشر كان يحيد عن أسئلة الإمام عبد العزيز في المناظرة، وقد ذكر قصة مناظرته بشراً في كتابه (الحيدة) ، وهو مطبوع متداول.
٢ المأمون والمعتصم والواثق، انظر البداية والنهاية لابن كثير ١٠/٣٤٥.
٣ ومن الذين امتحنوا وثبتوا أمام الفتنة ولم يجيبوا إلى القول بخلق القرآن:
*الإمام أحمد بن حنبل *محمد بن نوح ابن ميمون
*نعيم بن حماد الخزاعي، وقد مات في السجن *أحمد بن نصر الخزاعي، وقد قتل.
*أبو يعقوب البويطي، وقد مات هو أيضاً في السجن. انظر البداية والنهاية ١٠/٢٤٩.
وكان ممن شرّد عن أوطانهم: فضل الأنماطي، وأبي صالح، اللّذين فرِّق بينهما وبين زوجتيهما. سير الأعلام ١١/٢٦٣.
٤ انظر البداية والنهاية ١٠/٣٤٧، وسير الأعلام ١١/٤٢٦-٤٢٧؛ وأحمد بن حنبل بين محنة الدين ومحنة الدنيا، لأحمد عبد الجواد الرومي، المكتبة العصرية، صيدا- بيروت، ص١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>