للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه كمال غناه، وفقر عباده إليه، في مواضع من كتابه١، واستدّل بكمال غناه، المستلزم لأحديّته، في الردّ على النصارى، وإبطال ما قالوه من الإِفك العظيم، والشرك الوخيم، قال تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ} ٢ الآية؛ وكمال غناه يستلزم نفي الصحبة، والولد٣، ونفي الحاجة إلى جميع المخلوقات، ولا يظنّ أحدٌ يعرف ربّه، أو شيئاً من عظمته وغناه ومجده، أنه محتاج إلى العرش، أو غيره؛ وإنّما يتوّهم هذا من هو في غاية الجهالة والضلالة، ومن لم يعرف شيئاً من آثار النبوة والرسالة؛ ومن فسدت فطرته، ومسخ عقله، بنظره في كلام الجهمية، وأشباههم، حتى اجتالته الشياطين، فلم يبق معه أثارة من علم، ولا نصيب من فهم.

بل استواؤه على عرشه، صفة كمال، وعز، وسلطان٤؛ وهو من معنى اسمه (الظاهر) ومعناه: الذي ليس فوقه شيء؛ والعلو، علو الذات، وعلوّ القهر، وعلوّ السلطان، كلّها ثابتة لله، وهي صفات كمال، تدلّ على غناه، وعلى فقر المخلوقات إليه. والذي ينبغي لأمثالنا: ترك الخوض مع هؤلاء المبتدعة الضلال، وترك مجالستهم.

قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} ٥، وأكثر المعطلة، يزعمون أن تعطيلهم، تنزيه للربّ عما لا يليق به، فساء ظنّهم، وغلظ حجابهم، حتى توهّموا: أنّ إثبات ما في الكتاب والسنّة، على ما فهمه سلف الأمة مما ينزّه الرّب، تبارك وتعالى عنه.


١ من تلك المواضع التي ذكر فيها كمال غناه وفقر عباده:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:١٥] وقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد:٣٨] .
٢ سورة يونس الآية (٦٨) .
٣ ومما ورد من الآيات في نفيه تعالى ذلك عن نفسه، قوله تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} [الجن:٣] .
٤ وهي صفة فعليّة للربّ سبحانه وتعالى، تتعلّق بمشيئته وقدرته.
٥ سورة الأنعام الآية (٦٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>