للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له، /ويكفروا/١ بما سواه من الأنداد والآلهة.

هذا أصل أديان الرسل كافة، وأوّل دعوتهم وآخرها، ولبُّ شرائعهم وحقيقة ملّتهم وفي بسط هذه الجملة من العلم به وبشرعه ودينه، وصرف الوجوه إليه مالا يتسع له هذا الموضع، وكل الدين يدور على هذا الأصل ويتفرّع عنه٢. ومن طاف البلاد، وخبر أحوال الناس منذ أزمان متطاولة، عرف انحرافهم عن هذا الأصل الأصيل، وبُعْدِهم عمّا جاءت به الرسل من التفريع والتأصيل؛ فكل بلد وكل قطر وكل جهة –فيما نعلم- فيها من الآلهة التي عُبدت مع الله بخاص العبادات، وقُصِدت من دونه في الرغبات والرهبات، ما هو معروف مشهور، لا يمكن جحده ولا إنكاره، بل وصل بعضهم إلى أن ادّعى لمعبوده مشاركةً في الربوبية، بالعطاء والمنع والتدبيرات، ومن أنكر ذلك عندهم، فهو خارجيٌّ ينكر الكرامات٣، وكذلك هم في باب الأسماء


١ في (أ) و (ج) : يكفر.
٢ أصل الأديان السماوية كلّها هو الدعوة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، وإلى إثبات وحدانيته تعالى، والنهي عن الإشراك معه غيره في عبادته. بذلك اخبر سبحانه وتعالى عباده في كتابه الكريم، وأخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥] ، وقال جل وعلا: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥] . ففي الآيتين دلالة واضحة على وحدة الأديان السماوية ووحدة أهدافها.
وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، وأمهاتهم شتّى ودينهم واحد) . صحيح البخاري مع الفتح ٦/٥٥٠-٥٥١، الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} ؛ وفي الحديث تصريح بأنَّ دين الأنبياء واحد.
وقوله: (إخوة لعلاّت) : قال ابن حجر: "أصله أن من تزوج امرأة ثم تزّوج أخرى كأنّه علَّ منها، والعلل الشرب بعد الشرب، وأولاد العلاّت: الإخوة من الأب وأمهاتهم شتّى) . فتح الباري ٦/٥٦٤.
٣ هكذا حال المشركين عبدة الأوثان من القبوريين وغيرهم، إنهم ينسبون الضلال لكل من عارضهم، ويرون الحق الحقيقي فيما هم عليه. فيا سبحان الله {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>