للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عربيهم وعجميهم، قرويهم وبدويهم، يعرف الحق ويعمل به، إلا بقايا من أهل الكتاب. وأما الأكثرون، فقد اجتالتهم الضلالات والعادات عن فطرة الله التي فطر الناس عليها١.فأيد الله نبيه مع غربة هذا الدين، ومخالفته لما عليه الأكثرون، بأعظم حجة وآية، كانت لأكثر من أسلم /سبباً/٢ووقاية. وتلك هي الخلق العظيم، والرأي الراشد الحليم. فمكث على ذلك يدعو ويذكر ويعظ وينذر مع غاية في اللطف واللين، فتارة يكنى المخاطبين ٣، وطوراً يأتي نادي المتقدمين والمترأسين، وحيناً يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. وناهيك بخلق مدحه القرآن٤، وأثنى عليه حلمه في الدعوة والبيان، ولا يرد على هذا المعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} الآية٥. كما ظنه بعض المتطوعة، ديداناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا يصار إليه إذا تعينت الغلظة، /ولم يجد٦، اللين كما هو ظاهر مستبين، كما قيل: آخر الطب الكي٧. وهو أيضاً مع القدرة.


١ وهذه الفطرة هي: دين الله الحنيف، الذي خلق الناس له، كما يفيده قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: ٣٠] .
انظر جامع البيان للطبري ٢١/ ٤٠، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٤/ ١٧.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". صحيح البخاري مع الفتح ٣/ ٢٦٠، الجنائز، باب اللحد والشق في القبر.
صحيح مسلم بشرح النووي ١٦/ ٤٤٦، القدر باب معنى كل مولود يولد على الفطرة.
٢ في (د) : سبب.
٣ فكان يقول أحياناً: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ...
٤ وقد مدحه القرآن بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] .
٥ سورة التوبة الآية (٧٣) .
٦ في (ب) و (ج) و (د) : ولم يجدي.
٧ مثل عربي، ذكره ابن منظور في اللسان. والكي: إحراق الجلد بحديدة، وهو من علاج المعروف في كثير من الأمراض. لسان العرب ١٥/ ٢٣٥، مادة (كوي) .
وفي حديث، عن جابر، (أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاد من رميته) .

<<  <  ج: ص:  >  >>