للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم من أنكر القدر، ووضع لربه شرعاً بالتجوير والتعديل، وهذا هو قول القدرية.

ومنهم من أقر بالقدر، وقال: حكمته خفيت علينا. وهذا قول ابن عقيل وغيره من المثبتين للقدر. فهم يوافقون المعتزلة على إثبات الحكم، وأنها ترجع إلى المخلوق، ويقرون بالقدر١.

الثالث: قول من أثبت حكمة تعود إلى الرب، لكن بحسب علمه، فقال: خلقهم ليعبدوه ويحمدوه، فمن وجد منه ذلك فهو مخلوق له، وهم المؤمنون. ومن لم يوجد منه ذلك، فليس بمخلوق له، قالوا: وهذه /حكمة/٢ مقصودة، وهي واقعة، بخلاف الحكمة التي أثبتها المعتزلة، فإنهم أثبتوا حكمة هي: نفع العباد. ثم قالوا: خلق من علم أنه لا ينتفع بالخلق، بل يتضرر، فتناقضوا كما تقدم؛ ونحن أثبتنا حكمة /علم/٣ أنها تقع فوقعت٤. وقد يخلق من يتضرر بالخلق لنفع الآخرين، وفعل الشر القليل لأجل الخير الكثير حكمة، كإنزال المطر لنفع العباد، وإن تضررالبعض.

قالوا: وفي خلق الكفار وتعذيبهم اعتبار للمؤمنين، وجهادهم ومصالحهم. وهذا اختيار القاضي أبي خازم٥ ابن القاضي أبي يعلى٦، قالوا: فقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ٧ وهو مخصوص بمن وقعت منه العبادة. وهذا قول طائفة من السلف والخلف٨. وهو قول الكرامية.


١ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٨/ ٣٨- ٣٩.
٢ في (أ) : الحكمة.
٣ في (أ) على.
٤ أي وقعت تلك الحكمة بمعرفة عباده المؤمنين، وحمدهم له، وثناؤهم عليه وتمجيدهم له.
٥ هو محمد بن محمد بن الحسين بن محمد، أبو يعلى الصغير، القاضي أبي خازم، ابن القاضي الكبير أبي يعلى ابن الفراء البغدادي، شيخ الحنابلة، تفقه بأبيه وبعمه أبي الحسين محمد (ت٥٦٠هـ) . سير الأعلام ٢٠/ ٣٥٣، والنجوم الزاهرة ٥/ ٣٧٠، وشذرات الذهب ٤/ ١٩٠.
٦ تقدمت ترجمته ص ٤٩٤.
٧ سورة الذاريات الآية (٥٦) .
٨ أي القول بالتخصيص في الآية، قال به الكلبي والضحاك وسفيان الثوري.

<<  <  ج: ص:  >  >>