للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما قوله: فإذا قررت لله مكانا معينا: فاعلم أن أهل السنة والجماعة، ورثة الرسل وأعلام الهدى لا يصفون الله إلا بما وصف به نسفه، وأو وصفه به رسوله، من غير زيادة ولا نقص، ينتهون حيث انتهى بهم، تعظيما للموصوف وخشية وهيبة وإجلالا.

وأما أهل البدع، فيخوضون في ذلك، ويصفونه بما لم يصف به نفسه، ويلحدون فيما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، ولا يتحاشون من الكلام في ذلك بالبدع التي لا تعرف.

وقد ذم الله هذا الصنف في كتابه، ووصفهم بما لم يأتهم عنه ولا عن رسوله. وذكر الله عن أصحاب النار أنهم لما قيل لهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} ١؛ فوصفهم بالعتو عن طاعته، وعدم الانقياد لعبادته، بقوله: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} ٢، ووصفهم بعدم الإحسان والمعروف بقوله: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} ٣، ووصفهم بالخوض في شأن دينهم وما جاءت به رسلهم، وعدم وقوفهم مع ما أمروا به، وتعديهم إلى ما يرونه ويهوونه بقوله: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} ٤. وهذا حال أهل البدع والضلالات الذين لم يؤسسوا دينهم على ما جاءت به الرسل.

وإذا عرفت ذلك فلفظ المكان لم يرد لا نفيا ولا إثباتا، وقد يراد به معنى/ صحيح/٥ كالعلو والاستواء والظهور، وقد يراد به غير ذلك من الأماكن المحصورة. فالواجب ترك المشتبه، والوقوف مع نصوص الكتاب والسنة، فيقال لهذا الجهمي: نحن لا نقر لله من الصفات إلا ما نطق به الكتاب العزيز، وصحت به السنة النبوية، ولا يلزم من أثبت ذلك شيء من البدعيات والأوضاع المختلفة.


١ سورة المدثر الآيات "٤٢، ٤٤، ٤٥".
٢ سورة المدثر الآية "٤٣".
٣ سورة المدثر الآية "٤٤".
٤ سورة المدثر الآية "٤٥".
٥ في "أ" و"ج": صحيحاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>