للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نستعين إلا بك. وأول أمر في القرآن يقرع سمع السامع والمستمع قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} إلى قوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ١. فأمرهم بتوحيد الإلهية، واستدل عليه بالربوبية، ونهاهم عن الشرك به، وأمرهم بخلع الأنداد التي يعبدها المشركون من دون الله. وافتتح سبحانه كثيرا من سور القرآن بهذا التوحيد. {الم، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ٢، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} إلى قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} ٣، أي المألوه المعبود في السموات والأرض٤. وفي هذه السورة من أدلة التوحيد ما لا يكاد أن يحصر٥. وفيها من بيان الشرك والنهي عنه كذلك. وافتتح سورة هود بهذا التوحيد فقال: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} ٦، فأحكم تعالى آيات القرآن، ثم فصلها ببيان توحيده، والنهي عن الإشراك به. وفي أول سورة طه قال


١ سورة البقرة الآية "٢١، ٢٢".
٢ سورة آل عمران "١، ٢".
٣ سورة الأنعام الآية "٣".
٤ هذا ما ذكره بعض المفسرين في معنى هذه الآية. كما ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٦/٢٥١، وابن كثير في تفسيره ٢/١٢٧، والقاسمي في تفسيره ٦/٢٢٤، وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاواه ١١/٢٥٠، وغيرهم.
وهذا خلاف لما ذهب إليه الجهمية من قول منكر، أن الله في كل مكان، معتمدين على هذه الآية. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
٥ أي سورة الأنعام. فهي أجمع سور القرآن لعقائد الإسلام في الإلهيات والنبوة والبعث ورد شبهات المشركين. قال القرطبي –رحمه الله-: "قال العلماء: هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين، ومن كذب بالبعث والنشور. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٦/٢٤٧.
٦ سورة هود الآية "١، ٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>