للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبارة الموهومة، والمجيب عليه أن يستفصل؛ لأن ترك الاستفصال؛ فيه إيهام ولا شك أن تكفير بعض صلحاء الأمة ممكن الوقوع؛ بل قد وقع من الخوارج وغيرهم من أهل البدع.

فيقال حينئذ ١: إن كان المكفر لبعض صلحاء الأمة متأولا مخطئا وهو ممن يسوغ له التأويل. فهذا وأمثاله ممن رفع عنه الحرج والتأثيم لاجتهاده، وبذل وسعه، كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة ٢، فإن عمر – رضي الله عنه - وصفه بالنفاق واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم/في قتله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"٣. ومع ذلك فلم يُعنف عمر على قوله لحاطب: إنه قد نافق.

وقد قال تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} ٤، وقد ثبت أن الرب – تبارك وتعالى - قال بعد نزول هذه الآية وقراءة المؤمنين لها: "قد فعلت"٥.

وأما إن كان المكفر لأحد هذه الأمة يستند في تكفيره له إلى نص وبرهان من كتاب الله وسنة نبيه، وقد رأى كفرا بواحا؛ كالشرك بالله وعبادة ما سواه، والاستهزاء به تعالى، أو بآياته أو رسوله، أو تكذيبهم، أو كراهة ما أنزل الله من الهدى ودين الحق، أو جحود الحق ٦، أو جحد صفات الله – تعالى - ونعوت جلاله ونحو ذلك فالمكفر بهذا مصيب مأجور، مطيع لله ورسوله، قال الله – تعالى - {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ


١ في أ: "حينئذ يقال".
٢ تقدمت قصته هذه في ص ١٧٩.
٣ تقدم تخريجه في ص ١٧٩.
٤ سورة البقرة: الآية "٢٨٦".
٥ أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أنه –سبحانه وتعالى - لم يكلف إلا ما يطاق. "ح/١٢٦" من حديث ابن عباس ".
٦ "أو جحود الحق" ساقط في "ب" و "ج".

<<  <  ج: ص:  >  >>