للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكثير من الجهال. فهذا من الخطأ البين، والتجاسر على التكفير والتفسيق ١ والتضليل، لا يسوغ إلا لمن رأى كفرا بواحا عنده، فيه من الله برهان.

والمخالفة في المسائل الاجتهادية التي قد يخفى الحكم فيها على كثير من الناس، لا تقتضي كفرا ولا فسقا، وقد يكون الحكم فيها قطعيا جليا عند بعض الناس، وعند آخرين يكون الحكم فيها مشتبها خفيا، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها.

والواجب على كل أحد: أن يتقي الله ما استطاع، وما يظهر لخواص الناس من الفهوم والعلوم، لا يجب على من خفيت عليه عند العجز عن معرفتها، والتقليد ليس بواجب؛ بل غايته أن يسوغ عند الحاجة وقد قرر بعض مشايخ الإسلام أن الشرائع لا تلزم إلا بعد البلوغ وقيام الحجة، ولا يحل لأحد أن يكفر أو يفسق بمجرد مخالفة للرأي والمذهب.

وبقي قسم خامس، هم الذين يكفرون بما دون الشرك من الذنوب، كالسرقة والزنا وشرب الخمر. هؤلاء هم الخوارج، وهم عند أهل السنة ضُلال مبتدعة، قاتلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحديث قد صح بالأمر بقتالهم، والترغيب فيه، وفيه: "أنهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم"٢.

وقد غلط كثير من المشركين في هذه الأعصار، وظنوا أن من كفر من تلفظ بالشهادتين فهو من الخوارج، وليس كذلك؛ بل التلفظ بالشهادتينن/لا يكون مانعا من التكفير إلا لمن عرف معناهما، وعمل بمقتضاهما، وأخلص العبادة لله، ولم يشرك به سواه، فهذا تنفعه الشهادتان.

وأما من قالهما ولم يحصل منه انقياد لمقتضاهما، بل أشرك بالله، واتخذ الوسائط والشفعاء من دون الله، وطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، وقرب لهم القرابين،


١ في "ب" و "ج": "أو التفسيق".
٢ تقدم تخريجه في ص ٧٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>