وأما التجاسر على حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنه يشير به إلى المال الذي استخرجه الأمير سعود من الحجرة الشريفة، وصرفه في أهل المدينة ومصالح الحرم، وهو – رحمه الله - لم يفعل هذا إلا بعد أن أفتاه علماء المدينة من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية، فاتفقت فتواهم على أنه يتعين ويجب على ولي الأمر إخراج المال الذي في الحجرة، وصرفه في حاجة أهل المدينة وجيران الحرم؛ لأن المعلوم السلطاني قد منع في تلك السنة، واشتدت الحاجة والضرورة إلى استخراج هذا المال وإنفاقه، ولا حاجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إبقائه في حجرته وكنزه لديه، وقد حرم كنز الذهب والفضة وأمر بالإنفاق في سبيل الله، لا سيما إذا كان المكنوز مستحقا لفقراء المسلمين، وذوي الحاجة منهم، كالذي بأيدي الملوك والسلاطين.
فلا شك أن استخراجها على هذا الوجه، وصرفها في مصارفها الشرعية أحب إلى الله ورسوله من إبقائها واكتنازها، وأي فائدة في إبقائها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل المدينة في أشد الحاجة والضرورة إليها؟
وتعظيم الرسول وتوقيره: إنما هو في اتباع/ أمره والتزام دينه وهديه، فإن كان عند علينا دليل شرعي يقتضي تحريم صرفها في مصالح المسلمين فليذكره لنا، ولم يضع هذا المال أحد من علماء الدين الذين يرجع إليهم، وليس عند هؤلاء إلا اتباع عادة أسلافهم ومشايخهم، ويعرف هذا من ناظرهم ومارسهم، ودعواهم عريضة وعجزهم ظاهر.
وقد أطال هذا الصحاف فيما نقله عن شيخه حسين الدوسري، وأكثر فيه من النصيحة، ولا بأس بالنصائح لمن أراد الحق وتوخاه، ونهى عما يسخطه الرب ولا يرضاه، ولم يلحد في أسمائه، ولم يعبد سواه، فهذا هو الصادق في نصحه وقوله الذي أبداه. بخلاف من توهم الأمر على خلاف ما هو عليه، ولبس الحق بالباطل لديه، واعتقد أن المجاهد لإعلاء كلمة الله يشار بالذم إليه، فعمل مثل هذا {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ