للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه لأنه لا يتصور أن يكون الإنسان أعلا رتبة أو أدنى رتبة من نفسه ولهذا لم يصح أمر الإنسان لنفسه على التخصيص وأيضا فإن الأمر قول موضوع لاستدعاء الفعل وطلبه وهذا وضع لطلبه من الغير لأن هذه الصيغ إنما تكلمت بها العرب لحاجتهم إليها وليفهم البعض من البعض مراده وخطابه ولا يتصور منه قول لاستدعاء الفعل من نفسه لأن طبيعته داعية إليه طالبة منه فعل كل ما يسره والكف عن كل ما يضره فلا حاجة إلى قول موسع له من نفسه لطلب فعل منه أو قول وضع لمنعه عن فعل وهذه كلمات قطعية والذى قاله الخصم أنه يصير كأن الله تعالى قال افعلوا

قلنا إذا قال تعالى افعلوا فالنبى صلى الله عليه وسلم يكون مأمورا وإذا قال النبى صلى الله عليه وسلم فيكون أمرا والكلام فى دخول الأمر فى الأمر فلا يرد عليه الموضع الذي لا يكون فيه أمرا وهذا كالسيد يقول لغلامه اسقنى فإنه لا يدخل العبيد فى هذا الأمر وأن كان يجوز أن يدخل فى أمر غيره وأما قولهم أن أمره يصير كأنه قال هذه العبادة واجبة قلنا ولم يصير هكذا وهذا خبر وذاك أمر والخبر خبر فى حق كل أحد وأما الأمر يتناول الأمر على الخصوص بحكمه وأما الأمر الوارد من قبل الله عز وجل بخطاب النبى صلى الله عليه وسلم الرسول فإنه يتناوله على الخصوص ولا يتناول غيره إلا أن يقوم عليه الدليل وأما الوارد بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} أو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أو: {يَا عِبَادِيَ} فإنه يتناول النبى صلى الله عليه وسلم وغيره لأجل عموم اللفظ والله أعلم.

واعلم أن الأصحاب قد ذكروا أن الخطاب الوارد من الله عز وجل ومن رسوله صلى الله عليه وسلم إنما يتناول المكلفين الصالحين لهذا التكليف الوارد الموجودين عند الخطاب وأما الذين يوجدون من بعد ذلك فإنما يدخلون فى الخطاب بالإجماع وهذا لأن خطاب المعدوم لا يتصور إفادته الإيجاب فدخولهم فى الخطاب لا يكون بنفس الخطاب وإنما يكون بدليل آخر وليس ذلك إلا الإجماع فكذلك نقول فى كل خطاب معلق بصفة إنما يتناول أهل تلك الصفة عند مورد الخطاب فأما من يصير بتلك الصفة فى حالة أخرى١.


١ اعلم أن في هذه المسألة قولان:
الأول: هو قول عامة الأصوليين من الشافعية والحنفية لا يتناول الأمة.
الثاني: أن خطاب الرسول خطاب لأمة وهذا القول منقول عن أبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما وأصحابهما انظر نهاية السول ١٢/٣٥٨ إحكام الأحكام ٢/٣٧٩ انظر روضة الناظر ١٨٣ البرهان ١/٣٦٧ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ٢/٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>