ونبتدىء بمعنى النسخ فى اللغة والشرع أما من حيث اللغة فاعلم أن معنى النسخ فى اللغة نقل الشىء وإزالته بعد ثبوته من قولك نسخت الشمس الظل إذا أزالته ونسخت الرياح الآثار إذا محتها ويقال أيضا نسخت الكتاب وهو بمعنى نقل المكتوب من مكان إلى مكان آخر وقيل أن الأشبه أن يكون حقيقة بمعنى الإزالة فحسب وأما بمعنى النقل فيكون مجازا لأن ما فى الكتاب لا ينقل حقيقة إلا ترى أنه ثابت فيه على ما كان من قبل وإذا كان مجازا فى النقل كما ذكرنا لم يبق إلا أن يكون حقيقته فى الإزالة ويجوز أن يقال أنه حقيقة فى النقل أيضا لأنه إذا نسخ الكتاب فقد حصل المكتوب الذى كان فى هذا الموضع فى موضع آخر فصار شبه النقل أن لم يكن نقلا حقيقة فدلنا هذا أن اسم النسخ موضوع للنقل حيث تجوزوا به فيما يشبه النقل وأما نسخ الكتاب بإزالة وهو لا شبه الإزالة وقد قيل أن ما قالوه لا يدل على أنه ليس بحقيقة فى الإزالة لأنا بينا من حيث اللغة أنهم عرفوا النسخ بمعنى الإزالة ويمكن أن يقال أن النقل بمعنى الإزالة سمى نسخا لأن النقل يزيل المنقول من مكانه الأول١.
والأولى فى الشرع أن يكون بمعنى الإزالة وحده لأنه خطاب دال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان لازما مع تراخيه عنه ولا يلزم على هذا ما سقط عن الإنسان بالموت حيث لا يكون ذلك لأنا قلنا خطاب دال وذلك ليس بخطاب ولا يلزم ما وقع مما كانوا عليه من شرب الخمر وغيره لأن ذلك ليس بنسخ من حيث أن ما كانوا عليه لم يثبت بخطاب ولا يلزم ما أسقط بكلام متصل كالاستثناء والغاية مثل قوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧] حيث لا يكون نسخا لأنه غير متراخى عنه وقيل أن اللفظ الدال على انتهاء الحكم الشرعى مع التآخر عن مورده وهذا جد حسن وهو أوجه من الأول.
واعلم أنه لا يجوز أن يقتصر على قول من قال أنه بيان انقضاء زمان العبادة لأنه يدخل الموت على هذا فإنه ينتفى زمان العبادة به ولا يكون نسخا ويقال أنه رفع الحكم.
١ انظر المحصول ١/٥٢٥ ونهاية السول ٢/٥٤٨ إحكام الأحكام ٣/٤٦ روضة الناظر ٦٦ المستصفى ١/١٠٧ المعتمد ٢/٤١٨ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ٣/٣٣.