للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل: الفصل الثالث وهو بيان ما ينعقد فيه الإجماع]

[مدخل]

...

فصل. أما الفصل الثالث وهو بيان ما ينعقد فيه الإجماع.

اعلم أن الإجماع حجة في جميع الأحكام الشرعية كالعبادات والمعاملات وأحكام الدماء والفروج وغير ذلك من الحلال والحرام وكل ما هو من الأحكام الشرعية.

وأما الأحكام العقلية فعلى ضربين.

أحدهما [ما] ١ يجب تقديم العمل به على العلم بصحة السمع كحدث العالم وإثبات الصانع وإثبات صفاته وإثبات النبوة وما أشبه ذلك فلا يكون الإجماع في هذا حجة لأنا بينا أن الإجماع دليل شرعي ثبت بالسمع فلا يجوز أن يكون حجة ولا أن يثبت حكما قبل السمع كما يجوز أن يثبت الكتاب بالسنة والكتاب يجب العمل به قبل السنة.

والضرب الثاني: ما لا يجب تقدم العلم به على السمع وذلك مثل جواز الرؤية وغفران المذنبين وغيرهما مما يجوز أن يعلم بعد السمع والإجماع حجة في هذا الضرب لأنه لما كان يجوز أن يعلم بعد الشرع والإجماع من أدلة الشرع جاز إثبات ذلك به.

وأما أمور الدنيا كتجهيز الجيوش وتدبير الحروب والعماره والزراعة وغيرها من مصالح الدنيا فالإجماع ليس بحجة فيها٢ لأن الإجماع فيها ليس بأكثر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبت أن قوله صلى الله عليه وسلم إنما هو حجة في أحكام الشرع دون مصالح الدنيا وكذلك الإجماع ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم وأنا أعلم بأمور دينكم" ٣ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رأيا في الحرب راجع الصحابة في ذلك وربما ترك رأيه برأيهم وقد ورد مثل هذا في حرب بدر وحرب الخندق وغير ذلك ولم يكن أحد يراجعه فيما يكون من أمر الدين وقد ذكر بعض المتكلمين أن الإجماع ينعقد في أمر الدنيا أيضا وإذا رأى أهل العصر شيئا واتفقوا عليه لا يجوز مخالفته سواء كان في أمر الدين أو في أمر الدنيا لأن أدلة الإجماع منعت من الخلاف على الأمة ولم يفصل ولم يفصل بين أن يكون اتفقوا على أمر ديني أو دنيوي والصحيح الأول كما سبق.


١ زيادة في الأصل.
٢ انظر نهاية السول ٣/٢٣٧, ٢٣٨ المحصول ٢/٤ المعتمد ٢/٣٥ المحصول ٢/٩٧ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ٣/١٥٧.
٣ أخرجه ابن ماجه الرهون ٢/٨٢٥ ح ٢٤٧١ وأحمد المسند ٦/١٣٨ ح ٢٤٩٧٣ وذكره مسلم الفضائل بلفظ "أنتم أعلم بأمر ديناكم" أخرجه مسلم الفضائل ٤/١٨٣٦ ح ١٤١/٢٣٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>