وحين ذكرنا اختلاف الثانى من أقوال المجتهدين وأردنا حجة كل فريق على الإشباع والتمام وذكرنا الصحيح من ذلك فلا بد من ذكر القولين المنسوبين إلى الشافعى رحمه الله في المسائل وبيان الكلام فيه ووجه ذلك في الموضع الذى يصح وبيان ما لايصح من ذلك.
اعلم أن الأقاويل المتناقضة لا يجوز أن يعتقدها أحد من الناس نحو أن يعتقد أن فعلا حرام عليه ثم يعتقد أن ذلك الفعل بعينه على شرطه وجهته جائز له.
ويجوز اعتقاد وجوب أحد الفعلين عل البدل والتخيير مثل ما يعتقد من عليه كفارة اليمين أنه يجب التكفير عليه بأحد الأشياء الثلاثة.
ويجوز أيضا في فعلين وإن كانا ضدين كما يجوز أن يعتقد أن عليه الخروج الواحد من أحد هذه الأبواب أو عليه الصلاة الواحدة في أحد هذه الأماكن أو على المرأة أن تعتد بالأطهار أو بالحيض.
واعلم أن القول المختلف في الحادثة الواحدة على ضربين ضرب لا يسوغ فيه الاختلاف وضرب يسوغ فيه الاختلاف.
فأما الضرب الذى لا يسوغ فيه الاختلاف كأصول الديانات من التوحيد وصفات البارى عز اسمه وهى تكون على وجه واحد لا يجوز فيها الاختلاف وكذلك في فروع الديانات التي يعلم وجوبها بدليل مقطوع به مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج وكذلك المناهى الثابته بدليل مقطوع به فلا يجوز اختلاف القول في شئ من ذلك.
فأما الذى يسوغ ففيه الاختلاف وهى فروع الديانات إذا استخرجت أحكامها بأمارات الاجتهاد ومعانى الاستنباط فاختلاف العلماء فيه مسوغ ولكل واحد منهم أن يعمل فيه مما يؤدى إليه اجتهاده فأما قول العالم الواحد فيه بقولين مختلفين فلم يعلم قبل الشافعى رحمه الله تعالى من قال بذلك تصريحا وهو رحمه الله قد ابتكر هذه العباره وذكرها في كتبه وقد أنكر ذلك كثير من مخالفيه ونسبوه إلى الخطأ في ذلك وقالوا هذا دليل على نقصان الآلة وقلة المعرفة حين لم يعرف الحق من أحد القولين فاحتاج إلى تخريج المسألة على قولين وأيضا فإنه خرق الإجماع فإنه لم يتقدم أحد يقول بقولين فى