أوردنا في هذا الموضع لما بينا من شذوذها عن الأبواب المتقدمة وعدم دخولها في باب القياس ومعرفة هذه المسألة أصل كبير في مسائل كثيرة ولابد من تقديم مقدمة ينبنى عليها ما يتلوها وهى أن الحظر والإباحة والحسن والقبيح. ثم يعرف فاعلم أن الذي ذهب إليه أكثر أصحاب الشافعى رحمة الله عليه أن التكليف يختص بالسمع دون العقل وأن العقل بذاته ليس بدليل على تحسين شئ ولا بتقبيحه ولا حظره ولا إباحته ولا يعرف حسن الشئ وقبحه ولا حظره ولا تحريمه حتى يرد السمع بذلك وإنما العقل آلة يدرك بها الأشياء فيدرك به ما حسن وقبح وأبيح وحرم بعد أن يثبت ذلك بالسمع وقد ذهب إلى هذا المذهب من المتكلمين جماعة كثيرة وهم الذين امتازوا عن متكلمى المعتزلة وذهب إلى هذا أيضا جماعة من أصحاب أبى حنيفه وذهب طائفة من أصحابنا إلى أن العقل مدخلا في التكليف وأن الحسن والقبح ضربان ضرب علم بالعقل وضرب علم بالسمع وأما المعلوم حسنه بالعقل فهو العدل والصدق وشكر النعمة وغير ذلك وأما المعلوم قبحه بالعقل فنحو الظلم والكذب وكفر النعمة وغير ذلك وأما المعلوم حسنه بالشرع فنحو الصلاة والصيام والزكاة والحج وما أشبه ذلك وأما المعلوم قبحه بالشرع فنحو الزنا وشرب الخمر وما أشبه ذلك قالوا وسبيل السمع إذا ورد بموجب العقل أن يكون وروده مؤكدا لما في العقل إيجابه وقضيته وزعموا أن الاستدلال على معرفة الصانع واجب بمجرد